قوله تعالى : { واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله } . قرأ أهل البصرة بفتح التاء أي " تصبرون إلى الله " ، وقرأ الآخرون بضم التاء ، وفتح الجيم ، أي : تردون إلى الله تعالى .
قوله تعالى : { ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } . قال ابن عباس رضي الله عنه : هذه آخر آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له جبريل عليه السلام ضعها على رأس مائتين وثمانين آية من سورة البقرة ، وعاش بعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً وعشرين يوماً ، وقال ابن جريج : تسع ليال ، وقال سعيد بن جبير : سبع ليال ، ومات يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول حين زاغت الشمس سنة إحدى عشرة من الهجرة ، قال الشعبي عن ابن عباس رضي الله عنهما : آخر آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الربا .
{ واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } وهذه الآية من آخر ما نزل من القرآن ، وجعلت خاتمة لهذه الأحكام والأوامر والنواهي ، لأن فيها الوعد على الخير ، والوعيد على فعل الشر ، وأن من علم أنه راجع إلى الله فمجازيه على الصغير والكبير والجلي والخفي ، وأن الله لا يظلمه مثقال ذرة ، أوجب له الرغبة والرهبة ، وبدون حلول العلم في ذلك في القلب لا سبيل إلى ذلك .
ثم قال تعالى يعظ عباده ويذكرهم زوال الدنيا وفناء ما فيها من الأموال وغيرها ، وإتيان{[4662]} الآخرة والرجوع إليه تعالى ومحاسبته تعالى خلقه على ما عملوا ، ومجازاته إياهم بما كسبوا من خير وشر ، ويحذرهم عقوبته ، فقال : { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ }
وقد روي أن هذه الآية آخرُ آية نزلت من القرآن العظيم ، فقال ابن لَهِيعة : حدثني عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، قال : آخر ما نزل من القرآن كله{[4663]} { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية تسع ليال ، ثم مات يوم الاثنين ، لليلتين خلتا من ربيع الأول . رواه ابن أبي حاتم .
وقد رواه ابن مَرْدُويه من حديث المسعودي ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : آخر آية نزلت : { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ }
وقد رواه النسائي ، من حديث يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن عبد الله بن عباس ، قال : آخر شيء{[4664]} نزل من القرآن : { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ }{[4665]} .
وكذا رواه الضحاك ، والعَوْفي ، عن ابن عباس ، وروى الثوري ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، قال : آخر آية أنزلت{[4666]} : { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ } فكان بين نزولها [ وبين ]{[4667]} موت النبي صلى الله عليه وسلم واحد وثلاثون يومًا .
وقال ابن جريج : قال ابن عباس : آخر آية نزلت : { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ } الآية .
قال ابن جريج : يقولون : إن النبي صلى الله عليه وسلم عاش بعدها تسع ليال ، وبدئ{[4668]} يوم السبت ومات يوم الاثنين ، رواه ابن جرير .
ورواه عطية عن أبي سعيد ، قال : آخر آية أنزلت : { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } .
وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ( 281 )
وقوله تعالى : { واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله } إلى آخر الآية ، وعظ لجميع الناس وأمر يخص كل إنسان( {[2753]} ) ، و { يوماً } منصوب على المفعول لا على الظرف . وقرأ أبو عمرو بن العلاء «تَرجِعون » بفتح التاء وكسر الجيم ، وقرأ باقي السبعة «تُرجعَون » بضم التاء وفتح الجيم ، فمثل قراءة أبي عمرو { إن إلينا إيابهم }( {[2754]} ) [ الغاشية : 25 ] ومثل قراءة الجماعة { ثم ردوا إلى الله }( {[2755]} ) [ الأنعام : 62 ] { ولئن رددت إلى ربي }( {[2756]} ) [ الكهف : 36 ] المخاطبة في القراءتين بالتاء على جهة المبالغة في الوعظ والتحذير ، وقرأ الحسن «يرْجعون » بالياء على معنى يرجع جميع الناس .
قال ابن جني كأن الله تعالى رفق بالمؤمنين على أن يواجههم بذكر الرجعة إذ هي مما تتفطر له القلوب . فقال لهم : { واتقوا يوماً } ، ثم رجع في ذكر الرجعة إلى الغيبة رفقاً بهم( {[2757]} ) ، وقرأ أبي بن كعب «يوماً تُردون » بضم التاء ، وجمهور العلماء على أن هذا اليوم المحذر منه هو يوم القيامة والحساب والتوفية ، وقال قوم هو يوم الموت ، والأول أصح بحكم الألفاظ في الآية ، وفي قوله : { إلى الله } مضاف محذوف تقديره إلى حكم الله وفصل قضائه ، وقوله { وهم } رد على معنى كل نفس لا على اللفظ إلا على قراءة الحسن «يرجعون » ، فقوله : { وهم } رد على ضمير الجماعة في «يرجعون » ، وفي هذه الآية نص على أن الثواب والعقاب متعلق بكسب الإنسان . وهذا رد على الجبرية( {[2758]} ) .