نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (281)

ولما كان من المعلوم أنه لا يدفعه{[13685]} حجة كان التقدير : فامتثلوا ما أمرتم به واجتنبوا ما نهيتم عنه ، فعطف عليه تخويفاً من يوم العرض عليه والمجازاة بين يديه فقال - وقال الحرالي : {[13686]}لما أنهي الخطاب بأمر الدين و{[13687]}علنه{[13688]} وأمر{[13689]} الآخرة على وجوهها وإظهار حكمتها المرتبطة بأمر الدنيا وبين أمر الإنفاق والربا الذي هو غاية أمر الدين{[13690]} والدنيا في صلاحهما{[13691]} وأنهى ذلك إلى الموعظة بموعود جزائه في الدنيا والآخرة أجمل الموعظة بتقوى يوم الرجعة إلى إحاطة أمره ليقع الختم بأجمل موعظة وأشملها{[13692]} ليكون انتهاء الخطاب على ترهيب الأنفس لتجتمع{[13693]} عزائمها على ما هو ملاك أمرها من قبول صلاح دينها ودنياها ومعادها من خطاب الله سبحانه وتعالى لها فختم ذلك بكمال معناه بهذه الآية {[13694]}كما أنها هي{[13695]} الآية التي ختم بها التنزيل أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم {[13696]}هو في{[13697]} الشكاية وهي آخر آية أنزلت{[13698]} على النبي صلى الله عليه وسلم{[13699]} في مقابلة{ اقرأ باسم ربك }[ العلق : 1 ] الذي هو أول منزل النبوة و{[13700]}{ يا أيها المدثر }[ المدثر : 1 ] الذي هو أول منزل الرسالة فكان أول الأمر{[13701]} نذارة وآخره موعظة تبعث النفس على الخوف وتبعث{[13702]} القلب على الشوق من{[13703]} معنى ما انختم به أمر خطاب الله سبحانه وتعالى في آية{ مالك يوم الدين }[ الفاتحة : 4 ] انتهى - فقال تعالى : { واتقوا يوماً } أي في غاية العظم { ترجعون فيه } حساً بذواتكم كما أنتم في الدنيا ومعنى بجميع أموركم رجوعاً ظاهراً لا يحجبه شيء من الأسباب ولا يحول دونه عارض ارتياب { إلى الله } الذي{[13704]} لا يحصر{[13705]} عظمته وصف ولا يحيط بها حد ، فيكون حالكم بعد النقلة من{[13706]} الدنيا كحالكم قبل البروز إليها من البطن لا تصرف{[13707]} لكم أصلاً ولا متصرف{[13708]} فيكم{[13709]} إلا الله ويكون{[13710]} حالكم في ذلك اليوم الإعسار ، لأنه لا يمكن{[13711]} أحد أن يكافىء ما لله سبحانه وتعالى عليه من نعمه{[13712]} ، فمن نوقش الحساب عذب ؛ فإن كنتم تحبون المجاوزة{[13713]} عنكم هنالك{[13714]} فتجاوزوا أنتم عن إخوانكم اليوم ، وتصدقوا ما دمتم قادرين على الصدقة ، واتقوا النار في ذلك اليوم ولو بشق تمرة{[13715]} ؛ وأشار سبحانه وتعالى إلى طول وقوفهم ذلك الموقف في مقام الهيبة{[13716]} وتمادي حبسهم{[13717]} في مشهد الجلال والعظمة بأداة التراخي في قوله { ثم } قال الحرالي وقيل :

" يا رسول الله ! أين{[13718]} يكون{[13719]} الناس { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات{[13720]} } [ إبراهيم : 48 ] ؟ قال : في الظلمة دون الجسر{[13721]} " وقال صلى الله عليه وسلم : " يقيمون{[13722]} في الظلمة ألف سنة " وورد عن علي رضي الله تعالى عنه في تفصيل مواقف يوم الجزاء أن الخلق يوقفون{[13723]} على قبورهم ألف سنة ويساقون إلى المحشر{[13724]} ألف سنة ، ويوقفون{[13725]} في الظلمة ألف سنة ؛ ثم يكون انشقاق{[13726]} السماوات{[13727]} السبع وتبديل الأرض وما شاء الله سبحانه وتعالى من أمره انتظاراً لمجيئه{[13728]} ؛ ففي عبرة{[13729]} مقاله والله سبحانه وتعالى أعلم أن{[13730]} ذلك يكون{[13731]} ستة آلاف سنة وأنها كما بنيت{[13732]} في ستة أيام تهدم في ستة أيام

{ كما بدأنا أول خلق نعيده{[13733]} }[ الأنبياء : 104 ] ، فيكون ذلك تسعة أيام ؛ ويكون{[13734]} مجيئه{[13735]} في اليوم العاشر الذي هو يوم عاشوراء ذلك اليوم الذي تكرر مجيء أمره فيه في يوم الدنيا - ثم وصف صلى الله عليه وسلم المواقف إلى منتهاها - انتهى .

{[13736]}ولما كان إيقاف{[13737]} الإنسان على كل ما عمل من سر وعلن في غاية الكراهة إليه فضلاً عن جزائه على كل شيء منه{[13738]} لا بالنسبة إلى موقف معين بني للمفعول قوله : { توفى } أي تعطى على سبيل الوفاء { كل نفس ما كسبت }{[13739]} من خير وشر . قال الحرالي : جاء بصيغة فعل المشعر بجري{[13740]} العمل على غير تكلف وتحمل ، ففي إشعاره أنها توفى ما كسبت من الخير وما كونت له من الشر وأن ما تكلفته{[13741]} من الشر وفي دخلتها كراهية{[13742]} ربما غفر لها حيث لم تكن توفى ما كسبت وما اكتسبت كما قال في الآية التي بعدها{[13743]}{ لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت }[ البقرة : 286 ] فكان مكتسبها عليها وربما غفر لها فإنها{[13744]} وفيت{[13745]} ما كسبته من الشر واشتمل عليه ظاهرها وباطنها حتى يسرت له - انتهى .

ولما كانت عادة الناس أنه إذا بقي{[13746]} شيء يسير وقع في محل المسامحة وكان اليسير يختلف{[13747]} باختلاف الأصل فالألف مثلاً يتسامح فيه بمائة مثلاً{[13748]} بيّن{[13749]} أن الأمر عنده على غير ذلك فقال : { وهم لا يظلمون * }{[13750]} شيئاً من الأشياء ولو قلّ ، وهذا إشارة إلى العدل بين عباده قال الحرالي : وهذه الآية ختم للتنزيل وختم لتمام{[13751]} المعنى في هذه السورة التي هي سنام القرآن وفسطاطه{[13752]} وختم لكل موعظة وكل ختم ، فهو من خواص المحمدية الجامعة المفصلة من سورة الحمد المشيرة{[13753]} إلى تفاصيل عظيم{[13754]} أمر الله في حقه وفي خلقه وفيما بينه وبين خلقه - انتهى .


[13685]:في م وظ ومد: ليس لا حد معه سبحانه.
[13686]:زيد في مد "و".
[13687]:زيد من ومد وظ.
[13688]:من م وظ ومد، وفي الأصل: عليه.
[13689]:في ظ: أقر.
[13690]:من م وظ ومد، وفي الأصل: الدنيا.
[13691]:من م وظ ومد، وفي الأصل: صلاحها.
[13692]:في م: إجمالها.
[13693]:في ظ: ليجتمع.
[13694]:من م وظ ومد، وفي الأصل: أنهى هذه.
[13695]:من م وظ ومد، وفي الأصل: أنهى هذه.
[13696]:من م وظ ومد، وفي الأصل: وهي.
[13697]:من م وظ ومد، وفي الأصل: وهي.
[13698]:في م وظ ومد: عليه.
[13699]:في م وظ ومد: عليه.
[13700]:زيد من مد.
[13701]:في ظ: الأجر.
[13702]:من م وظ ومد، وفي الأصل: يبعث.
[13703]:زيد من مد وظ غير أن في ظ: ومن ـ بزيادة الواو.
[13704]:زيد من م ومد وظ.
[13705]:في الأصل: لا يخص، والتصحيح من م ومد وظ.
[13706]:في مد: عن.
[13707]:في الأصل: مصرف، والتصحيح من م وظ ومد.
[13708]:من م وظ ومد، وفي الأصل: لا يتصرف.
[13709]:من م وظ ومد، وفي الأصل: منكم، وفي مد: لكم.
[13710]:في م ومد وظ: تكون.
[13711]:في ظ: يمتن.
[13712]:من م ومد، وفي الأصل وظ: نعمة.
[13713]:من م وظ ومد، وفي الأصل: هنالك عنكم.
[13714]:من م وظ ومد، وفي الأصل: هنالك عنكم.
[13715]:من م وظ ومد، وفي الأصل: تمرة.
[13716]:من م وظ ومد، وفي الأصل: الهية.
[13717]:من م وظ ومد، وفي الأصل: حبهم.
[13718]:في ظ: تكون.
[13719]:زيد في الأصل: "في" ولم تكن الزيادة في م ومد وظ فحذفناها.
[13720]:سورة 14 آية 84.
[13721]:من م، وفي الأصل: الحشر، وفي ظ: الحبر، وفي مد: الحسر ـ كذا.
[13722]:في ظ: تقيمون.
[13723]:من م، وفي الأصل: الحشر، وفي ظ: وفي الأصل: يقفون.
[13724]:في مد: المخر ـ كذا.
[13725]:من م ومد، وفي ظ: يوقعون، وفي الأصل: يحشرون.
[13726]:في ظ: انشاق.
[13727]:زيد من م وظ ومد.
[13728]:من م وظ ومد، وفي الأصل: لمجيبة ـ كذا.
[13729]:من م ومد وظ غير أن في ظ: عبرة، وفي الأصل: غيره.
[13730]:في م: يكون ذلك.
[13731]:في م: يكون ذلك.
[13732]:في الأصل: بينت، والتصحيح من م ومد وظ.
[13733]:سورة 21 آية 104.
[13734]:من م وظ ومد، وفي الأصل: لتكون.
[13735]:في الأصل: مجيبه، والتصحيح من م ومد، وفي ظ: مجيبه ـ كذا.
[13736]:العبارة من هنا إلى "قوله" ليست في ظ.
[13737]:من م وظ ومد، وفي الأصل: إنفاق.
[13738]:زيد من م ومد.
[13739]:زيد من م ومد: أي.
[13740]:من م وظ ومد، وفي الأصل: يجري.
[13741]:من م وظ ومد، وفي الأصل: كلفته.
[13742]:في م: كراهة، وفي ظ: كراهته.
[13743]:في مد وظ: بعد هذا، وفي م: بعده هذا.
[13744]:من مد، وفي بقية الأصول: فإن ما.
[13745]:في ظ: وفت.
[13746]:في م: نفى.
[13747]:في ظ: مختلفا.
[13748]:زيد من م وظ ومد.
[13749]:في الأصل: أبين، والتصحيح من م ومد وظ.
[13750]:زيد في ظ: أي.
[13751]:في الأصل: للتمام، والتصحيح من م ومد وظ.
[13752]:من م وظ ومد، وفي الأصل: فسطاطة.
[13753]:في ظ: الميسرة.
[13754]:في مد: عظم.