الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (281)

قيل : إن هذه الآية نزلت قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بتسع ليال ثم لم ينزل بعدها شيء ، قاله ابن جريج . وقال ابن جبير ومقاتل : بسبع ليال . وروي بثلاث ليال . وروي أنها نزلت قبل موته بثلاث ساعات ، وأنه عليه السلام قال : ( اجعلوها بين آية الربا وآية الدين ) . وحكى مكي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( جاءني جبريل فقال : اجعلها على رأس مائتين وثمانين آية ) .

قلت : وحكي عن أبي كعب وابن عباس وقتادة أن آخر ما نزل : " لقد جاءكم رسول من أنفسكم " [ التوبة : 128 ] إلى آخر الآية{[2648]} . والقول الأول أعرف وأكثر وأصح وأشهر . ورواه أبو صالح عن ابن عباس قال : آخر ما نزل من القرآن " واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون " فقال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ( يا محمد ضعها على رأس ثمانين ومائتين من البقرة ) . ذكره أبو بكر الأنباري في " كتاب الرد " له ، وهو قول ابن عمر رضي الله عنه أنها آخر ما نزل ، وأنه عليه السلام عاش بعدها أحدا وعشرين يوما ، على ما يأتي بيانه في آخر سورة " إذا جاء نصر الله والفتح " {[2649]} [ النصر : 1 ] إن شاء تعالى . والآية وعظ لجميع الناس وأمر يخص كل إنسان . و " يوما " منصوب على المفعول لا على الظرف . " ترجعون فيه إلى الله " من نعته . وقرأ أبو عمرو بفتح التاء وكسر الجيم ، مثل " إن إلينا إيابهم " {[2650]} [ الغاشية : 25 ] واعتبارا بقراءة أبي " يوما تصيرون فيه إلى الله " . والباقون بضم التاء وفتح الجيم ، مثل " ثم ردوا إلى الله " {[2651]} [ الأنعام : 62 ] . " ولئن رددت إلى ربي " {[2652]} [ الكهف : 36 ] واعتبارا بقراءة عبد الله " يوما تردون فيه إلى الله " وقرأ الحسن " يرجعون " بالياء ، على معنى يرجع جميع الناس . قال ابن جني : كأن الله تعالى رفق بالمؤمنين على أن يواجههم بذكر الرجعة ، إذ هي مما ينفطر لها القلوب فقال لهم : " واتقوا يوما " ثم رجع في ذكر الرجعة إلى الغيبة رفقا بهم . وجمهور العلماء على أن هذا اليوم المحذر منه هو يوم القيامة والحساب والتوفية . وقال قوم : هو يوم الموت . قال ابن عطية : والأول أصح بحكم الألفاظ في الآية . وفي قوله " إلى الله " مضاف محذوف ، تقديره إلى حكم الله وفصل قضائه . " وهم " رد على معنى " كل " لا على اللفظ ، إلا على قراءة الحسن " يرجعون " فقوله " وهم " رد على ضمير الجماعة في " يرجعون " . وفي هذه الآية نص على أن الثواب والعقاب متعلق بكسب الأعمال ، وهو رد على الجبرية ، وقد تقدم .


[2648]:- راجع جـ8 ص 301.
[2649]:- راجع جـ20 ص 229.
[2650]:- راجع جـ20 ص 37.
[2651]:- راجع جـ7 ص 6.
[2652]:- راجع جـ10 ص 404.