البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (281)

قيل : آخر آية نزلت آية الربا ، قاله عمر ، وابن عباس ، ويحمل على أنها من آخر ما نزل ، لأنه الجمهور قالوا : آخر آية نزلت : { واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله } فقيل : قبل موته بتسع ليال ، ثم لم ينزل شيء .

وروي : بثلاث ساعات ، وقيل : عاش بعدها صلى الله عليه وسلم أحداً وثمانين يوماً .

وقيل : أحداً وعشرين يوماً .

وقيل : سبعة أيام .

وروي أنه قال : « اجعلوها بين آية الربا وآية الدين » وروي أنه قال عليه السلام : جاءني جبريل فقال : إجعلها على رأس مائتين وثمانين آية من البقرة .

وتقدم الكلام على : واتقوا يوماً ، في قوله : { واتقوا يوماً لا تجزى }

وقرأ يعقوب ، وأبو عمرو : ترجعون ، مبنياً للفاعل ، وخبر عباس عن أبي عمرو ، وقرأ باقي السبعة مبنياً للمفعول وقرأ الحسن : يرجعون ، على معنى يرجع جميع الناس ، وهو من باب الالتفات .

قال ابن جني : كان الله تعالى رفق بالمؤمنين عن أن يواجههم بذكر الرجعة إذ هي مما تتفطر له القلوب ، فقال لهم : واتقوا ، ثم رجع في ذكر الرجعة إلى الغيبة رفقاً بهم . انتهى .

وقرأ أبي : تردون ، بضم التاء ، حكاه عنه ابن عطية .

وقال الزمخشري : وقرأ عبد الله : يردون .

وقرأ أبي : تصيرون . انتهى .

قال الجمهور والمراد بهذا اليوم يوم القيامة ، وقال قوم : هو يوم الموت ، والأول أظهر لقوله : { ثم توفى كل نفس ما كسبت } والمعنى إلى حكم الله وفصل قضائه .

{ ثم توفى كل نفس } أي تعطى وافياً جزاء { ما كسبت } من خير وشر ، وفيه نص على تعلق الجزاء بالكسب ، وفيه ردّ على الجبرية .

{ وهم لا يظلمون } أي : لا ينقصون مما يكون جزاء العمل الصالح من الثواب ، ولا يزادون على جزاء العمل السيء من العقاب ، وأعاد الضمير أولاً في : كسبت ، على لفظ : النفس ، وفي قوله : وهم لا يظلمون ، على المعنى لأجل فاصلة الآي ، إذ لو أتى وهي لا تظلم لم تكن فاصلة ، ومن قرأ : يرجعون ، بالياء فتجيء : وهم ، عليه غائباً مجموعاً لغائب مجموع .