قوله تعالى : { لهم فيها ما يشاؤون خالدين كان على ربك وعداً مسؤولاً } مطلوباً ، وذلك أن المؤمنين سألوا ربهم في الدنيا حين قالوا : { ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك } يقول : كان أعطى الله المؤمنين جنة الخلد وعداً ، وعدهم على طاعتهم إياه في الدنيا ومسألتهم إياه ذلك . قال محمد بن كعب القرظي : الطلب من الملائكة للمؤمنين وذلك قولهم : ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم .
{ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ } أي : يطلبون وتتعلق بهم أمانيهم ومشيئتهم ، من المطاعم والمشارب اللذيذة والملابس الفاخرة والنساء الجميلات والقصور العاليات والجنات والحدائق المرجحنة والفواكه التي تسر ناظريها وآكليها ، من حسنها وتنوعها وكثرة أصنافها والأنهار التي تجري في رياض الجنة وبساتينها ، حيث شاءوا يصرفونها ويفجرونها أنهارا من ماء غير آسن وأنهارا من لبن لم يتغير طعمه وأنهارا من خمر لذة للشاربين وأنهارا من عسل مصفى وروائح طيبة ، ومساكن مزخرفة ، وأصوات شجية تأخذ من حسنها بالقلوب ومزاورة الإخوان ، والتمتع بلقاء الأحباب ، وأعلى من ذلك كله التمتع بالنظر إلى وجه الرب الرحيم وسماع كلامه ، والحظوة بقربه والسعادة برضاه والأمن من سخطه واستمرار هذا النعيم ودوامه وزيادته على ممر الأوقات وتعاقب الآنات { كَانَ } دخولها والوصول إليها { عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا } يسأله إياها ، عباده المتقون بلسان حالهم ولسان مقالهم ، فأي الدارين المذكورتين خير وأولى بالإيثار ؟ وأي : العاملين عمال دار الشقاء أو عمال دار السعادة أولى بالفضل والعقل والفخر يا أولي الألباب ؟
لقد وضح الحق واستنار السبيل فلم يبق للمفرط عذر في تركه الدليل ، فنرجوك يا من قضيت على أقوام بالشقاء وأقوام بالسعادة أن تجعلنا ممن كتبت لهم الحسنى وزيادة ، ونستغيث بك اللهم من حالة الأشقياء ونسألك المعافاة منها .
وفي هذا الموقف المكروب الرعيب يعرض ما أعد للمتقين ، الذين يخشون ربهم ويرجون لقاءه ، ويؤمنون بالساعة . يعرض في أسلوب متهكم كذلك ساخر
قل : أذلك خير ? أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاءا ومصيرا ، لهم فيها ما يشاءون خالدين . كان على ربك وعدا مسؤولا ? .
أذلك الكرب الفظيع خير ? أم جنة الخلد التي وعدها الله المتقين ، وخولهم حق سؤاله عنها ، وطلب تحقيق وعده الذي لا يخلف ، ومنحهم أن يطلبوا فيها ما يشاءون ? وهل هناك وجه للموازنة ? ولكنها السخرية المريرة بالساخرين الذين يتطاولون على الرسول الكريم .
جملة : { لهم فيها ما يشاؤون } ، حال من { جنة الخلد } أو صفة ثانية . وجملة : { كان على ربك وعداً مسئولاً } حال ثانية والرابط محذوف إذ التقدير : وعداً لهم .
والضمير المستتر في : { كان على ربك وعداً } عائد إما إلى الوعد المفهوم من قوله : { التي وعد المتقون } ، أي كان الوعد وعداً مسؤولاً وأخبر عن الوعد ب { وعداً } وهو عينه ليبنى عليه { مسئولاً } .
ويجوز أن يعود الضمير إلى { ما يشاءون } والإخبار عنه ب { وعداً } من الإخبار بالمصدر والمراد المفعول كالخلق بمعنى المخلوق .
ويتعلق : { على ربك } ب { وعداً } لتضمين { وعداً } معنى ( حقّاً ) لإفادة أنه { وعداً } لا يخلف كقوله تعالى { وعداً علينا إنا كنا فاعلين } [ الأنبياء : 104 ] .
والمسؤول : الذي يسأله مستحقه ويطالب به ، أي حقّاً للمتقين أن يترقبوا حصوله كأنه أجر لهم عن عمل . وهذا مسوق مساق المبالغة في تحقيق الوعد والكرم كما يشكرك شاكر على إحسان فتقول : ما أتيت إلا واجباً ، إذ لا يتبادر هنا غير هذا المعنى ، إذ لا معنى للوجوب على الله تعالى سوى أنه تفضل وتعهد به ، ولا يختلف في هذا أهل الملة وإنما اختلفوا في جواز إخلاف الوعد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.