قوله : { لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ } هو نظير قوله : { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تشتهي أَنفُسُكُمْ } [ فصلت : 31 ] ، { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس }{[35505]} [ الزخرف : 71 ] . فإن قيل : أهل الدرجات النازلة إذا شاهدوا الدرجات العالية لا بد وأن يريدوها ، فإذا سألوها ربهم ، فإن أعطاها لم يبق بين الناقص والكامل تفاوت في الدرجة ، وإن لم يعطها قدح ذلك في قوله { لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ } ، وأيضاً فالأب إذا كان ولده في دركات النيران وأشد العذاب فلو اشتهى أن يخلصه الله تعالى{[35506]} من ذلك العذاب ، ( فلا بد وأن يسأل ربه أن يخلصه منه ) {[35507]} ، فإن فعل قدح ذلك في أن عذاب الكافر مخلد ، وإن لم يفعل قدح ذلك في قوله : { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تشتهي أَنفُسُكُمْ } [ فصلت : 31 ] ، وفي قوله : ( { لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَالِدِينَ } ){[35508]} .
والجواب أن الله تعالى يزيل{[35509]} هذا الخاطر عن قلوب أهل الجنة ويشتغلون{[35510]} بما هم فيه من اللذات عن الالتفات إلى حال غيرهم{[35511]} .
قوله : «خَالِدينَ » منصوب على الحال ، إما من فاعل «يَشَاءونَ » وإما من فاعل «لَهُمْ »{[35512]} ، لوقوعه خبراً ، والعائد على «ما » محذوف ، أي : لهم فيها الذي يشاءونه حال كونهم خالدين .
قوله : { كَانَ على رَبِّكَ } في اسم «كَانَ » وجهان :
أحدهما : أنه ضمير «ما يشاءون » ذكره أبو البقاء{[35513]} .
والثاني : أن{[35514]} يعود على الوعد المفهوم من قوله «وُعِدَ المُتَّقُونَ »{[35515]} . و «مَسْؤولاً » على المجاز ، يسأل هل وفى لك أم لا ، أو يسأله من وعد به .
قوله : { كَانَ على رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً } يدل على أن الجنة حصلت بحكم الوعد لا بحكم الاستحقاق كما تقدم{[35516]} . وقوله : «مَسْؤولاً » أي : مطلوباً ، قيل : إن المتقين سألوا ربهم في الدنيا فقالوا : { رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ }{[35517]} [ آل عمران : 194 ] وقال محمد بن كعب القرظي : الملائكة سألوا ربهم للمؤمنين بقولهم{[35518]} : { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدْتَّهُمْ }{[35519]} [ غافر : 8 ] .
وقيل : إن المكلفين سألوه{[35520]} بلسان الحال ؛ لأنهم لما تحملوا المشقة الشديدة في طاعة الله كان ذلك قائماً مقام السؤال ، قال المتنبي{[35521]} :
وَفِي النَّفْسِ حَاجَاتٌ وَفِيكَ فَطَانَةٌ *** سُكُوتِي كَلاَمٌ عَنْدَهَا وَخِطَابُ{[35522]}
وقيل : «وَعْداً مَسؤولاً » أي : واجباً وإن لم يسأل . قاله الفراء{[35523]} وقيل : «مَسْؤولاً » أي : من حقه أن يكون مسؤولاً ، لأنه حق واجب إما بحكم الاستحقاق على قول المعتزلة ، أو بحكم الوعد على قول أهل السنة{[35524]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.