السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَّهُمۡ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَٰلِدِينَۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعۡدٗا مَّسۡـُٔولٗا} (16)

ثم ذكر تعالى تنعمهم فيها بعد أن ذكر نعيمهم بقوله تعالى : { لهم فيها } أي : الجنة { ما يشاؤون } من كل ما تشتهيه أنفسهم كما قال تعالى : { ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم } ( فصلت ، 31 ) { وفيها ما تشتهي الأنفس } ( الزخرف ، 71 ) فإن قيل : أهل الدرجات النازلة إذا شاهدوا الدرجات العالية لابد وأن يريدوها ، فإذا سألوها ربهم فإن أعطاها لهم لم يبق بين الناقص والكامل تفاوت في الدرجة ، وإن لم يعطها لهم قدح ذلك في قوله تعالى : { لهم فيها ما يشاؤون } ؟ أجيب : بأن الله تعالى يزيل هذا الخاطر عن قلوب أهل الجنة ويشتغلون بما هم فيه من اللذات عن الالتفات إلى حال غيرهم ، وقوله تعالى : { خالدين } منصوب على الحال إما من فاعل يشاؤون ، وإما من فاعل لهم لوقوعه خبراً ، والعائد على ما محذوف أي : لهم فيها الذي يشاؤونه حال كونهم خالدين وقوله تعالى : { كان على ربك } أي : وعدهم ما ذكر { وعداً } يدل على أن الجنة جعلت لهم بحكم الوعد والتفضل لا بحكم الاستحقاق ، وقوله تعالى : { مسؤولاً } أي : مطلوباً ، اختلف في السائل ، فالأكثر على أن المؤمنين سألوا ربهم في الدنيا حين قالوا : { ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك } ( آل عمران ، 194 ) .

روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : «ما منكم من يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه بها إحدى ثلاث : إما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها ، قالوا : إذاً نكثر ؟ قال : الله تعالى أكثر » ، وروي : «أنه يدعى بالمؤمن يوم القيامة حتى يوقفه الله تعالى بين يديه فيقول : عبدي فيقول : نعم يا رب فيقول : إني أمرتك أن تدعوني ووعدتك أن أستجيب لك فهل كنت تدعوني ؟ أما إنك لم تدعني بدعوة إلا استجبت لك أليس دعوتني يوم كذا وكذا لما نزل بك أن أفرج عنك ففرجت عنك ؟ فيقول : نعم يا رب فيقول : إني عجلتها لك في الدنيا ، ودعوتني يوم كذا وكذا لما نزل بك أن أفرج عنك فلم تر فرجاً ؟ قال : نعم يا رب فيقول : إني ادّخرت لك بها في الجنة كذا وكذا ، ودعوتني في حاجة أقضيها لك في يوم كذا وكذا فقضيتها ؟ فيقول : نعم يا رب فيقول : إني عجلتها لك في الدنيا ، ودعوتني يوم كذا وكذا في حاجة أقضيها لك فلم تر قضاءها ؟ فيقول : نعم يا رب ، فيقول : إني ادّخرت لك بها في الجنة كذا وكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلا يدع الله دعوة دعا بها عبده المؤمن إلا بين له ، إما أن يكون عجل له في الدنيا وإما أن يكون ادخر له في الآخرة فيقول المؤمن في هذا المقام : يا ليته لم يكن عجل له شيء من دعائه » ، وروي : «لا تعجلوا في الدعاء فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد » ، وروي : «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة » وروي : «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول : دعوت فلم يستجب لي » ، وروي : «لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل قيل : يا رسول الله ما الإستعجال قال : يقول : قد دعوت فلم يستجب لي فيستحسر » أي : يمل عند ذلك ويدع الدعاء ، فليدع الإنسان وهو موقن بالإجابة .

وقال محمد بن كعب القرظي : الطلب من الملائكة للمؤمنين سألوا ربهم للمؤمنين بقولهم { ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم } وقيل : إن المكلفين سألوها بلسان الحال ؛ لأنهم لما تحملوا المشقة الشديدة في طاعة الله كان ذلك قائماً مقام السؤال ، قال المتنبي :

في النفس حاجات وفيك فطانة *** سكوتي كلام عندها وخطاب