المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهۡتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (97)

97- وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بمواقعها إلى مقاصدكم ، وأنتم سائرون في ظلمات الليل بالبر والبحر ، إنا قد بيّنا دلائل رحمتنا وقدرتنا لقوم ينتفعون بالعلم{[63]} .


[63]:كانت الأجرام السماوية منذ فجر حضارات البشر وما تزال هي المعالم التي يهتدي بها الإنسان في سفره برا وبحرا، ويستفاد من رصد الشمس والقمر والنجوم والثوابت على الأخص في تعيين موقع المسافر وتحديد اتجاه غايته ومع تقدم العلم أصبحت الملاحة البحرية والجوية فنا دقيقا يعتمد عليه وذلك باستخدام آلات السدس وما إليها وبالرجوع إلى الجداول الخاصة بذلك بل أن رجال الفضاء في الآونة الأخيرة قد استعانوا بالشمس والقمر والنجوم في تحديد اتجاهاتهم في بعض مراحل أسفارهم وتستخدم بعض مجموعات النجوم كذلك في تحديد الزمن مثل مجموعة الدب الأكبر وبذلك تم تعرف الإنسان على المكان والزمان بالنجوم كما تقرر الآية الكريمة على أوسع معنى.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهۡتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (97)

قوله تعالى : { وهو الذي جعل لكم النجوم } أي خلقها لكم .

قوله تعالى : { لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر } . والله تعالى خلق النجوم لفوائد : أحدها هذا : وهو أن راكب السفينة ، والسائر في القفار يهتدي بها في الليالي إلى مقاصدهم . والثاني : أنها زينة للسماء كما قال : { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح } [ الملك :5 ] . ومنها رمي الشياطين ، كما قال : { وجعلناها رجوماً للشياطين } ، [ الملك :5 ] قوله تعالى : { قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهۡتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (97)

{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } حين تشتبه عليكم المسالك ، ويتحير في سيره السالك ، فجعل الله النجوم هداية للخلق إلى السبل ، التي يحتاجون إلى سلوكها لمصالحهم ، وتجاراتهم ، وأسفارهم .

منها : نجوم لا تزال ترى ، ولا تسير عن محلها ، ومنها : ما هو مستمر السير ، يعرف سيرَه أهل المعرفة بذلك ، ويعرفون به الجهات والأوقات .

ودلت هذه الآية ونحوها ، على مشروعية تعلم سير الكواكب ومحالّها الذي يسمى علم التسيير ، فإنه لا تتم الهداية ولا تمكن إلا بذلك .

{ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ } أي بيناها ، ووضحناها ، وميزنا كل جنس ونوع منها عن الآخر ، بحيث صارت آيات الله بادية ظاهرة { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي : لأهل العلم والمعرفة ، فإنهم الذين يوجه إليهم الخطاب ، ويطلب منهم الجواب ، بخلاف أهل الجهل والجفاء ، المعرضين عن آيات الله ، وعن العلم الذي جاءت به الرسل ، فإن البيان لا يفيدهم شيئا ، والتفصيل لا يزيل عنهم ملتبسا ، والإيضاح لا يكشف لهم مشكلا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهۡتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (97)

95

( وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر . قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون ) . .

تتمة لمشهد الفلك الدائر بشمسه وقمره ونجومه . تتمة لعرض المشهد الكوني الهائل الرائع مرتبطا بحياة البشر ومصالحهم واهتماماتهم :

( لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ) . .

متاهات البر والبحر ظلمات يهتدي فيها البشر بالنجوم . . كانوا كذلك وما يزالون . . تختلف وسائل الاهتداء بالنجوم ويتسع مداها بالكشوف العلمية والتجارب المنوعة . . وتبقى القاعدة ثابتة : قاعدة الاهتداء بهذه الأجرام في ظلمات البر والبحر . . سواء في ذلك الظلمات الحسية أو ظلمات التصور والفكر . ويبقى النص القرآني الجامع يخاطب البشرية في مدارجها الأولى بهذه الحقيقة ، فتجد مصداقها في واقع حياتها الذي تزاوله . ويخاطبها بها وقد فتح عليها ما أراد أن يفتح من الأسرار في الأنفس والآفاق . فتجدها كذلك مصداق قوله في واقع حياتها الذي تزاوله .

وتبقى مزية المنهج القرآني في مخاطبة الفطرة بالحقائق الكونية ، لا في صورة " نظرية " ولكن في صورة " واقعية " . . صورة تتجلى من ورائها يد المبدع ، وتقديره ، ورحمته ، وتدبيره . صورة مؤثرة في العقل والقلب ، موحية للبصيرة والوعي ، دافعة إلى التدبر والتذكر ، وإلى استخدام العلم والمعرفة للوصول إلى الحقيقة الكبرى المتناسقة . . لذلك يعقب على آية النجوم التي جعلها الله للناس ليهتدوا بها في ظلمات البر والبحر هذا التعقيب الموحي :

( قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون ) . .

فالاهتداء بالنجوم في ظلمات البر والبحر يحتاج إلى علم بمسالكها ودوراتها ومواقعها ومداراتها . . كما يحتاج إلى قوم يعلمون دلالة هذا كله على الصانع العزيز الحكيم . . فالاهتداء - كما قلنا - هو الاهتداء في الظلمات الحسية الواقعية ، وفي ظلمات العقل والضمير . . والذين يستخدمون النجوم للاهتداء الحسي ، ثم لا يصلون ما بين دلالتها ومبدعها ، هم قوم لم يهتدوا بها تلك الهداية الكبرى ؛ وهم الذين يقطعون بين الكون وخالقه ، وبين آيات هذا الكون ودلالتها على المبدع العظيم . .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهۡتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (97)

عطف على جملة : { وجاعل اللّيل سكناً } [ الأنعام : 96 ] ، وهذا تذكير بوحدانيّة الله ، وبعظيم خلقة النّجوم ، وبالنّعمة الحاصلة من نظام سيرها إذ كانت هداية للنّاس في ظلمات البرّ والبحر يهتدون بها . وقد كان ضبط حركات النّجوم ومطالعها ومغاربها من أقدم العلوم البشريّة ظهر بين الكلدانيّين والمصريّين القدماء . وذلك النّظام هو الّذي أرشد العلماء إلى تدوين علم الهيئة .

والمقصود الأوّل من هذا الخبر الاستدلال على وحدانيّة الله تعالى بالإلهيّة ، فلذلك صيغ بصيغة القصر بطريق تعريف المسند والمسند إليه ، لأنّ كون خلق النّجوم من الله وكونها ممّا يهتدَى بها لا ينكره المخاطبون ولكنّهم لم يَجْرُوا على ما يقتضيه من إفراده بالعبادة .

والنّجُوم جمع نجم ، وهو الكوكب ، أي الجسم الكروي المضيء في الأفق ليْلاً الّذي يبدو للعين صغيراً ، فليس القمر بنجْم .

و { جَعَل } هنا بمعنى خَلَق ، فيتعّدى إلى مفعول واحد و { لكُم } . متعلّق ب { جعل } ، والضّمير للبشر كلّهم ، فلام { لكم } للعلّة .

وقوله : { لتهتدوا بها } علّة ثانية لِ { جعَل } فاللاّم للعلّة أيضاً ، وقد دلّت الأولى على قصد الامتنان ، فلذلك دخلت على ما يدلّ على الضّمير الدالّ على الذّوات ، كقوله : { ألم نشرح لك صدرك } [ الشرح : 1 ] ، واللاّم الثّانية دلّت على حكمة الجعل وسبب الامتنان وهو ذلك النّفع العظيم . ولمّا كان الاهتداء من جملة أحوال المخاطبين كان موقع قوله : { لتهتدوا } قريباً من موقع بدل الاشتمال بإعادة العامل ، وقد تقدّم ذلك عند قوله تعالى : { تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا } في سورة [ المائدة : 114 ] .

والمراد بالظلمات : الظلمة الشّديدة ، فصيغة الجمع مستعملة في القوّة . وقد تقدّم أنّ الشّائع أن يقال : ظلمات ، ولا يقال : ظلمة ، عند قوله تعالى : { وتَركهم في ظلمات لا يبصرون } في سورة [ البقرة : 17 ] .

وإضافة { ظلمات } إلى { البرّ والبحر } على معنى ( في ) لأنّ الظّلمات واقعة في هذين المكانين ، أي لتهتدوا بها في السّير في الظّلمات . ومن ينفي الإضافة على معنى ( في ) يجعلها إضافة على معنى اللاّم لأدنى ملابسة كما في « كوكب الخرقاء » . والإضافة لأدنى ملابسة ، إمّا مجاز لغوي مبني على المشابهة ، فهو استعارة على ما هو ظاهر كلام « المفتاح » في مبحث البلاغة والفصاحة إذ جعل في قوله تعالى : { يأرض ابلعي ماءك } [ هود : 44 ] إضافة الماء إلى الأرض على سبيل المجاز تشبيهاً لاتّصال الماء بالأرض باتّصال المِلك بالمالك اه . فاستُعمل فيه الإضافة الّتي هي على معنى لام الملك فهو استعارة تبعيّة ؛ وإمّا مجاز عقليّ على رأي التفتزاني في موضع آخر إذ قال في « كوكب الخرقاء » « حقيقة الإضافة اللاّميّة الاختصاص الكامل ، فالإضافة لأدنى ملابسة تكون مجازاً حُكمياً » . ولعلّ التفتزاني يرى الاختلاف في المجاز باختلاف قرب الإضافة لأدنى ملابسة من معنى الاختصاص وبعدها منه كما يظهر الفرق بين المثالين ، على أنّ قولهم : لأدنى ملابسة ، يؤذن بالمجاز العقلي لأنّه إسناد الحكم أو معناه إلى ملابسسٍ لما هُوَ لَهُ .

وجملة : { قد فصّلنا الآيات } مستأنفة للتّسجيل والتّبليغ وقطع معذرة من لم يؤمنوا . واللاّم للتّعليل متعلّق ب { فصّلنا } كقوله :

ويوم عَقرت للعذاري مطيّتي

أي فصّلنا لأجل قوم يعلمون .

وتفصيل الآيات تقدّم عند قوله تعالى : { وكذلك نفصّل الآيات } في هذه السّورة [ 55 ] . وجعل التّفصيل لقوم يعلمون تعريضاً بمَن لم ينتفعوا من هذا التّفصيل بأنّهم قوم لا يعلمون .

والتّعريف في الآيات } للاستغراق فيشمل آية خلق النّجوم وغيرها . والْعِلم في كلام العرب إدْراك الأشياء على ما هي عليه قال السّمَوْأل أو عبد الملك الحارثي :

فليس سواء عالم وجهول

وقال النّابغة :

ولَيْسَ جاهِلُ شيءٍ مثلَ مَنْ عَلِما

والّذين يعلمون هم الّذين انتفعوا بدلائل الآيات . وهم الّذين آمنوا بالله وحده ، كما قال تعالى : { إنّ في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون } [ الأنعام : 99 ] .