قوله تعالى : { قد خسر الذين قتلوا أولادهم } . قرأ ابن عامر وابن كثير { قتلوا } بتشديد التاء على التكثير ، وقرأ الآخرون بالتخفيف .
قوله تعالى : { سفهاً } ، جهلاً .
قوله تعالى : { بغير علم } ، نزلت في ربيعة ومضر وبعض العرب من غيرهم ، كانوا يدفنون البنات أحياء مخافة السبي والفقر ، وكان بنو كنانة لا يفعلون ذلك .
قوله تعالى : { وحرموا ما رزقهم الله } ، يعني : البحيرة والسائبة والوصيلة والحام . قوله تعالى : { افتراءً على الله } ، حيث قالوا : إن الله أمرهم بها .
ثم بين خسرانهم وسفاهة عقولهم فقال : { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي : خسروا دينهم وأولادهم وعقولهم ، وصار وصْفُهم -بعد العقول الرزينة- السفه المردي ، والضلال .
{ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ } أي : ما جعله رحمة لهم ، وساقه رزقا لهم . فردوا كرامة ربهم ، ولم يكتفوا بذلك ، بل وصفوها بأنها حرام ، وهي من أَحَلِّ الحلال .
وكل هذا { افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ } أي : كذبا يكذب به كل معاند كَفَّار . { قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } أي : قد ضلوا ضلالا بعيدا ، ولم يكونوا مهتدين في شيء من أمورهم .
وإن الإنسان ليعجب ، وهو يستعرض مع السياق القرآني هذه الضلالات ، وما تحمله أصحابها من أعباء وخسائر وتضحيات . . يعجب لتكاليف الانحراف عن شرع الله ونهجه ، تلك التي يتحملها المنحرفون عن صراط الله المستقيم . ولأثقال الخرافة والغموض والوهم التي يتبعها الضالون . ولأغلال العقيدة الفاسدة في المجتمع والضمير . . نعم يعجب للعقيدة المنحرفة تكلف الناس حتى فلذات أكبادهم ، فوق ما تكلفهم من تعقيد الحياة واضطرابها ، والسير فيها بلا ضابط ، سوى الوهم والهوى والتقليد . وأمامهم التوحيد البسيط الواضح ؛ يطلق الضمير البشري من أوهام الوهم والخرافة ؛ ويطلق العقل البشري من عقال التقليد الأعمى ؛ ويطلق المجتمع البشري من الجاهلية وتكاليفها ؛ ويطلق " الإنسان " من العبودية للعبيد - سواء فيما يشترعونه من قوانين ، وما يصنعونه من قيم وموازين - ويحل محل هذا كله عقيدة واضحة مفهومة مضبوطة ، وتصورا واضحا ميسرا مريحا ، ورؤية لحقائق الوجود والحياة كاملة عميقة ، وانطلاقا من العبودية للعبيد ، وارتفاعا إلى مقام العبودية لله وحده . . المقام الذي لا يرتقي إلى أعلى درجاته إلا الأنبياء !
ألا إنها الخسارة الفادحة - هنا في الدنيا قبل الآخرة - حين تنحرف البشرية عن صراط الله المستقيم ؛ وتتردى في حمأة الجاهلية ؛ وترجع إلى العبودية الذليلة لأرباب من العبيد :
( قد خسر الذين قتلوا أولادهم - سفها بغير علم - وحرموا ما رزقهم الله - افتراء على الله - قد ضلوا وما كانوا مهتدين ) . .
خسروا الخسارة المطلقة . خسروا في الدنيا والآخرة . خسروا أنفسهم وخسروا أولادهم . خسروا عقولهم وخسروا أرواحهم . خسروا الكرامة التي جعلها الله لهم بإطلاقهم من العبودية لغيره ؛ وأسلموا أنفسهم لربوبية العبيد ؛ حين أسلموها لحاكمية العبيد ! وقبل ذلك كله خسروا الهدى بخسارة العقيدة ، خسروا الخسارة المؤكدة ، وضلوا الضلال الذي لا هداية فيه :
{ قد خسر الذين قتلوا أولادهم } يريد بهم العرب الذين كانوا يقتلون بناتهم مخافة السبي والفقر . وقرأ ابن كثير وابن عامر { قتلوا } بالتشديد بمعنى التكثير . { سفها بغير علم } لخفة عقلهم وجهلهم بأن الله سبحانه وتعالى رازق أولادهم لا هم ، ويجوز نصبه على الحال أو المصدر . { وحرموا ما رزقهم الله } من البحائر ونحوها . { افتراء على الله } يحتمل الوجوه المذكورة في مثله . { قد ضلوا وما كانوا مهتدين } إلى الحق والصواب .
هذا لفظ يتضمن التشنيع بقبح فعلهم والتعجب من سوء حالهم في وأدهم البنات وحجرهم الأنعام والحرث ، وقال عكرمة : وكان الوأد في ربيعة ومضر .
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وكان جمهور العرب لا يفعله ، ثم إن فاعليه كان منهم من يفعله خوف العيلة والاقتار ، وكان منهم من يفعله غيرة مخافة السباء ، وقرأ ابن عامر وابن كثير : «قتّلوا » بتشديد التاء على المبالغة وقرأ الباقون : «قتلوا » بتخفيفها و { ما رزقهم الله } : هي تلك الأنعام والغلات التي توقف بغير شرع ولا مثوبة في معاد بل بالافتراء على الله والكذب و { قد ضلوا } إخباراً عنهم بالحيرة وهو من التعجب بمنزلة قوله { قد خسر } ، { وما كانوا } يريد في هذه الفعلة ويحتمل أن يريد : وما كانوا قبل ضلالهم بهذه الفعلة مهتدين لكنهم زادوا بهذه الفعلة ضلالاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.