54- قل لهم : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول طاعة صادقة تدل عليها أعمالكم ، فإن أعرض المنافقون ولم يمتثلوا ، فإنما علي محمد ما حمله الله من أمر التبليغ وليس مكلفاً بهدايتهم ، وعليكم ما حملكم الله من التكليف والطاعة ، وستعاقبون إذا استمررتم علي العصيان ، وإن تطيعوا الرسول تهتدوا إلي الخير ، وما عليه سوى التبليغ الواضح - أطعتم أم عصيتم - وقد بلغ .
وأما الرسول عليه الصلاة والسلام ، فوظيفته أن يأمركم وينهاكم ، ولهذا قال : { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ ْ } امتثلوا ، كان حظكم وسعادتكم{[569]} وإن { تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ ْ } من الرسالة ، وقد أداها .
{ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ ْ } من الطاعة ، وقد بانت حالكم وظهرت ، فبان ضلالكم وغيكم واستحقاقكم العذاب . { وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ْ } إلى الصراط المستقيم ، قولا وعملا ، فلا سبيل لكم إلى الهداية إلا بطاعته ، وبدون ذلك ، لا يمكن ، بل هو محال .
{ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ْ } أي : تبليغكم البين الذي لا يبقي لأحد شكا ولا شبهة ، وقد فعل صلى الله عليه وسلم ، بلغ البلاغ المبين ، وإنما الذي يحاسبكم ويجازيكم هو الله تعالى ، فالرسول ليس له من الأمر شيء ، وقد قام بوظيفته .
لهذا يعود فيأمرهم بالطاعة . الطاعة الحقيقية . لا طاعتهم تلك المعروفة المفهومة !
( قل : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) . .
( فإن تولوا )وتعرضوا ، أو تنافقوا ولا تنفذوا ( فإنما عليه ما حمل )من تبليغ الرسالة وقد قام به وأداه ( وعليكم ما حملتم )وهو أن تطيعوا وتخلصوا . وقد نكصتم عنه ولم تؤدوه : ( وإن تطيعوه تهتدوا )إلى المنهج القويم المؤدي إلى الفوز والفلاح . ( وما على الرسول إلا البلاغ المبين )فليس مسؤولا عن إيمانكم ، وليس مقصرا إذا أنتم توليتم . إنما أنتم المسؤولون المعاقبون بما توليتم وبما عصيتم وبما خالفتم عن أمر الله وأمر الرسول .
ثم قال تعالى : { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } أي : اتبعوا كتاب الله وسنة رسوله .
وقوله : { فَإِنْ تَوَلَّوْا } أي : تتولوا عنه وتتركوا ما جاءكم به ، { فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ } أي : إبلاغ الرسالة وأداء الأمانة ، { وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ } أي : من ذلك وتعظيمه والقيام بمقتضاه ، { وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا } ، وذلك لأنه يدعو إلى صراط مستقيم { صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ } [ الشورى : 53 ] .
وقوله : { وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ } كقوله : { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ } [ الرعد : 40 ] ، وقوله { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ } [ الغاشية : 21 ، 22 ] .
وقال وهب بن مُنَبِّه : أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل - يقال له : شعياء - أن قم في بني إسرائيل فإني سأطلق لسانك بوحي . فقام فقال : يا سماء اسمعي ، ويا أرض انصتي ، فإن الله يريد أن يقضي شأنًا ويدبر أمرًا هو منفذه ، إنه يريد أن يحول الريف إلى الفلاة ، والآجام{[21306]} في الغيطان ، والأنهار في الصحاري ، والنعمة في الفقراء ، والملك في الرعاة ، ويريد أن يبعث أميا من الأميين ، ليس بفظ ولا غليظ ولا سَخّاب في الأسواق ، لو يمر إلى جنب السراج لم يطفئه من سكينته ، ولو يمشي على القصب اليابس لم يسمع من تحت قدميه . أبعثه مُبَشِّرا ونذيرًا ، لا يقول الخنَا ، أفتح به أعينا عُمْيًا ، وآذانًا صُمًّا ، وقلوبا غُلْفًا ، وأسَدِّده لكل أمر جميل ، وأهب له كل خلق كريم ، وأجعل السكينة لباسه ، والبر شعاره ، والتقوى ضميره ، والحكمة منطقه ، والصدق والوفاء طبيعته ، والعفو والمعروف خلقه ، والحق شريعته ، والعدل سيرته ، والهدى إمامه ، والإسلام ملته ، وأحمد اسمه ، أهْدِي به بعد الضلالة ، وأعلِّم به من الجهالة ، وأرْفَعُ به بعد الخمَالة ، وأعرف به بعد النُّكْرَة ، وأكثر به بعد القلة وأغني به بعد العَيلَة ، وأجمع به بعد الفرقة ، وأؤلف به بين أمم متفرقة ، وقلوب مختلفة ، وأهواء متشتتة ، وأستنقذ به فئامًا من الناس عظيما من الهَلَكة ، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، موحدين مؤمنين مخلصين ، مصدقين بما جاءت به رُسُلي . رواه ابن أبي حاتم{[21307]} .
{ قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول } أمر بتبليغ ما خاطبهم الله به على الحكاية مبالغة في تبكيتهم . { فإن تولوا فإنما عليه } أي على محمد صلى الله عليه وسلم . { ما حمل } من التبليغ . { وعليكم ما حملتم } من الامتثال . { وإن تطيعوه } في حكمه . { تهتدوا } إلى الحق . { وما على الرسول إلا البلاغ المبين } التبليغ الموضح لما كلفتم به ، وقد أدى وإنما بقي { ما حملتم } فإن أديتم فلكم وإن توليتم فعليكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.