فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيۡكُم مَّا حُمِّلۡتُمۡۖ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهۡتَدُواْۚ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ} (54)

ثم أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يأمرهم بطاعة الله ورسوله ، فقال :

{ قُلْ : أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } طاعة ظاهرة وباطنة ، بخلوص اعتقاد وصحة نية وهذا التكرير منه سبحانه لتأكيد وجوب الطاعة عليهم ، فإن قوله : { قُل لَّا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ } في حكم الأمر بالطاعة وقيل : إنهما مختلفان فالأول نهى بطريق الرد والتوبيخ ، والثاني أمر بطريق التكليف لهم والإيجاب عليهم .

{ فَإِن تَوَلَّوا } خطاب للمأمورين وفيه رجوع من الخطاب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الخطاب لهم لتأكيد الأمر عليهم والمبالغة في العناية بهدايتهم إلى الطاعة والانقياد .

وجواب الشرط قوله : { فَإِنَّمَا عَلَيْهِ } أي : على النبي { مَا حُمِّلَ } مما أمر به من التبليغ وقد فعل { وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ } أي : ما أمرتم به من الطاعة والإجابة ، وهو وعيد لهم كأنه قال لهم : فإن توليتم فقد صرتم حاملين للحمل الثقيل ، وفيه المشاكلة .

{ وَإِن تُطِيعُوهُ } فيما أمركم به ونهاكم عنه { تَهْتَدُوا } إلى الحق وترشدوا إلى الخير وتفوزوا بالأحر . قد أخرج مسلم والترمذي وغيرهما عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال : قدم زيد بن أسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : أرأيت إن كان علينا أمراء يأخذون منا الحق ولا يعطونا ؟ قال : " فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم " {[1310]} . وعن جابر أنه سئل إن كان علي إمام فاجر ، فلقيت معه أهل ضلالة ، أقاتل ؟ أم لا ؟ قال : قاتل أهل الضلالة أينما وجدتهم .

وعلى الإمام ما حمل وعليكم { وَ } جملة { مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } مقررة لما قبلها واللام إما للعهد فيراد بالرسول نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وإما للجنس فيراد كل رسول والبلاغ المبين : التبليغ الواضح أو الموضح ، والمعنى : أن الرسول قد أدى البلاغ فأدوا أيضا أنتم ما عليكم من طاعته .


[1310]:مسلم 1846 ـ الترمذي كتاب الفتن الباب 30.