المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{كَمَثَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (16)

16- مثل المنافقين في إغرائهم بني النضير - بالتمرد على رسول الله - كمثل الشيطان حين أغرى الإنسان بترك الإيمان ، فقال له : أكفر ، فلما كفر قال ، إني بريء منك . إني أخاف الله رب العالمين .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{كَمَثَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (16)

ثم ضرب مثلاً للمنافقين واليهود جميعاً في تخاذلهم فقال :{ كمثل الشيطان } أي مثل المنافقين مع بني النضير وخذلانهم إياهم ، كمثل الشيطان ، { إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك } وذلك ما روى عطاء وغيره عن ابن عباس قال : كان راهب في الفترة يقال له برصيصا تعبد في صومعة له سبعين سنة ، لم يعص الله فيها طرفة عين ، وإن إبليس أعياه في أمره الحيل ، فجمع ذات يوم مردة الشياطين فقال : ألا أجد أحداً منكم يكفيني أمر برصيصا ؟ فقال الأبيض -وهو صاحب الأنبياء وهو الذي تصدى للنبي صلى الله عليه وسلم ، وجاءه في صورة جبرائيل ليوسوس إليه على وجه الوحي فدفعه جبرائيل إلى أقصى أرض الهند- فقال الأبيض لإبليس : أنا أكفيك أمره ، فانطلق فتزين بزينة الرهبان وحلق وسط رأسه وأتى صومعة برصيصا فناداه فلم يجبه ، وكان لا ينفتل عن صلاته إلا في كل عشرة أيام ولا يفطر إلا في عشرة أيام مرة . فلما رأى الأبيض أنه لا يجيبه أقبل على العبادة في أصل صومعته ، فلما انفتل برصيصا اطلع من صومعته فرأى الأبيض قائماً يصلي في هيئة حسنة من هيئة الرهبان ، فلما رأى ذلك من حاله ندم في نفسه حين لم يجبه ، فقال له : إنك ناديتني وكنت مشتغلاً عنك ، فما حاجتك ؟ قال : حاجتي أني أحببت أن أكون معك ، فأتأدب بك وأقتبس من عملك وعلمك ، ونجتمع على العبادة فتدعو لي وأدعو لك ، فقال برصيصا : إني لفي شغل عنك فإن كنت مؤمناً فإن الله سيجعل لك فيما أدعو للمؤمنين نصيباً إن استجاب لي ، ثم أقبل على صلاته وترك الأبيض ، وأقبل الأبيض يصلي فلم يلتفت إليه برصيصا أربعين يوماً بعدها ، فلما انفتل رآه قائماً يصلي فلما رأى برصيصا شدة اجتهاده قال له : ما حاجتك ؟ قال : حاجتي أن تأذن لي فأرتفع إليك فأذن له فارتفع إليه في صومعته ، فأقام معه حولاً يتعبد لا يفطر إلا في كل أربعين يوماً ولا ينفتل عن صلاته إلا في كل أربعين يوماً مرة ، وربما مد إلى الثمانين ، فلما رأى برصيصا اجتهاده تقاصرت إليه نفسه وأعجبه شأن الأبيض . فلما حال الحول قال الأبيض لبرصيصا : إني منطلق فإن لي صاحباً غيرك ظننت أنك أشد اجتهاداً مما أرى ، وكان يبلغنا عنك غير الذي رأيت ، فدخل من ذلك على برصيصا أمر شديد وكره مفارقته للذي رأى من شدة اجتهاده ، فلما ودعه قال له الأبيض : إن عندي دعوات أعلمكها تدعو بهن فهن خير مما أنت فيه يشفي الله بها السقيم ويعافي بها المبتلي والمجنون ، قال برصيصا : إني أكره هذه المنزلة لأن لي في نفسي شغلاً وإني أخاف إن علم به الناس شغلوني عن العبادة ، فلم يزل به الأبيض حتى علمه . ثم انطلق حتى أتى إبليس فقال : قد والله أهلكت الرجل . قال : فانطلق الأبيض فتعرض لرجل فخنقه ثم جاء في صورة رجل متطبب فقال لأهله إن بصاحبكم جنوناً أفأعالجه ؟ قالوا : نعم ، فقال لهم : إني لا أقوى على جنته ولكن سأرشدكم إلى من يدعو الله فيعافيه ، انطلقوا إلى برصيصا فإن عنده الاسم الأعظم الذي إذا دعا به أجيب ، فانطلقوا إليه فسألوه ذلك فدعا بتلك الكلمات فذهب عنه الشيطان ، فكان الأبيض يفعل مثل ذلك بالناس ويرشدهم إلى برصيصا ، فيدعو فيعافون ، فانطلق الأبيض فتعرض لجارية من بنات ملوك بني إسرائيل بين ثلاثة إخوة وكان أبوهم ملكهم ، فمات واستخلف أخاه فكان عمها ملك بني إسرائيل ، فعذبها وخنقها ثم جاء إليهم في صورة رجل متطبب فقال لهم : أتريدون أن أعالجها ؟ قالوا : نعم ، قال : إن الذي عرض لها مارد لا يطاق ، ولكن سأرشدكم إلى رجل تثقون به تدعونها عنده إذا جاء شيطانها دعا لها حتى تعلموا أنها قد عوفيت وتردونها صحيحة ، قالوا : ومن هو ؟ قال برصيصا ، قالوا : وكيف لنا أن يجيبنا إلى هذا وهو أعظم شأناً من ذلك ؟ قال : فانطلقوا فابنوا صومعة إلى جانب صومعته حتى تشرفوا عليه ، فإن قبلها وإلا فضعوها في صومعته ، ثم قولوا له هي أمانة عندك ، فاحتسب فيها . قال : فانطلقوا إليه فسألوه فأبى عليهم ، فبنوا صومعة على ما أمرهم الأبيض ووضعوا الجارية في صومعته ، وقالوا : هذه أختنا أمانة فاحتسب فيها ، ثم انصرفوا فلما انفتل برصيصا عن صلاته عاين الجارية وما بها من الحسن والجمال ، فوقعت في قلبه ودخل عليه أمر عظيم ، ثم أقبل في صلاته فجاءها الشيطان فخنقها فدعا برصيصا بتلك الدعوات فذهب عنها الشيطان ، ثم أقبل على صلاته فجاءها الشيطان فخنقها فدعا برصيصا بتلك الدعوات ، ثم أقبل على صلاته فجاءها الشيطان فخنقها ، وكانت تكشف عن نفسها ، فجاءه الشيطان وقال واقعها فستتوب بعد ذلك ، والله تعالى غفار الذنوب والخطايا ، فتدرك ما تريد من الأمر ، فلم يزل به حتى واقعها فلم يزل على ذلك يأتيها حتى حملت وظهر حملها ، فقال له الشيطان : ويحك يا برصيصا قد افتضحت فهل لك أن تقتلها وتتوب ؟ فإن سألوك فقل : ذهب بها شيطانها ، فلم أقدر عليه . فدخل فقتلها ، ثم انطلق بها فدفنها إلى جانب الجبل ، فجاء الشيطان ، وهو يدفنها ليلاً ، فأخذ بطرف إزارها ، فبقي طرف خارجاً من التراب ، ثم رجع برصيصا إلى صومعته فأقبل على صلاته ، إذ جاء إخوتها يتعاهدون أختهم ، وكانوا يجيئون في طرف الأيام يسألون عنها ويوصونه بها ، فقالوا : يا برصيصا ما فعلت أختنا ؟ قال : قد جاء شيطانها فذهب بها ولم أطقه ، فصدقوه وانصرفوا ، فلما أمسوا وهم مكروبون جاء الشيطان إلى أكبرهم في منامه فقال : ويحك إن برصيصا فعل بأختك كذا وكذا وإنه خاف منكم ، فقتلها ودفنها في موضع كذا وكذا ، فقال الأخ في نفسه : هذا حلم ، وهو من عمل الشيطان ، فإن برصيصا خير من ذلك . قال : فتتابع عليه ثلاث ليال فلم يكترث . فانطلق إلى الأوسط بمثل ذلك فقال الأوسط مثل ما قاله الأكبر ، فلم يخبر أحداً ، فانطلق إلى أصغرهم بمثل ذلك ، فقال أصغرهم لأخويه : والله لقد رأيت كذا وكذا ، وقال الأوسط : وأنا والله قد رأيت مثله وقال الأكبر : وأنا رأيت مثله ، فانطلقوا إلى برصيصا وقالوا : يا برصيصا ما فعلت بأختنا ؟ قال : أليس قد أعلمتكم بحالها ؟ فكأنكم اتهمتموني ؟ فقالوا : والله لا نتهمك ، واستحيوا منه فانصرفوا ، فجاءهم الشيطان فقال : ويحكم إنها لمدفونة في موضع كذا ، وإن طرف إزارها خارج من التراب . فانطلقوا فرأوا أختهم على ما رأوا في النوم ، فمشوا في مواليهم وغلمانهم ، ومعهم الفؤوس والمساحي ، فهدموا صومعته وأنزلوه ، ثم كتفوه فانطلقوا به إلى الملك فأقر على نفسه ، وذلك أن الشيطان أتاه فقال : تقتلها ثم تكابر ، يجتمع عليك أمران : قتل ومكابرة ، اعترف . فلما اعترف أمر الملك بقتله وصلبه على خشبة ، فلما أتاه الأبيض فقال : يا برصيصا أتعرفني ؟ قال : لا ، قال : أنا صاحبك الذي علمتك الدعوات فاستجيب لك ، ويحك ما اتقيت الله في أمانتك ! خنت أهلها وإنك زعمت أنك أعبد بني إسرائيل ، أما استحييت ؟ ، فلم يزل يعيره ، ثم قال في آخر ذلك : ألم يكفك ما صنعت حتى أقررت على نفسك وفضحت نفسك وفضحت أشباهك من الناس ؟ فإن مت على هذه الحالة لم يفلح أحد من نظرائك ، قال : فكيف أصنع قال : تطيعني في خصلة واحدة حتى أنجيك مما أنت فيه فآخذ بأعينهم فأخرجك من مكانك ! قال : وما هي قال تسجد لي ، قال : ما أستطيع أفعل . قال : بطرفك افعل ، فسجد له ، فقال : يا برصيصا هذا الذي كنت أردت منك ، صارت عاقبة أمرك إلى أن كفرت بربك ، { إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كَمَثَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (16)

ومثل هؤلاء المنافقين الذين غروا إخوانهم من أهل الكتاب { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ } أي : زين له الكفر وحسنه ودعاه إليه ، فلما اغتر به وكفر ، وحصل له الشقاء ، لم ينفعه الشيطان ، الذي تولاه ودعاه إلى ما دعاه إليه ، بل تبرأ منه و { قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } أي : ليس لي قدرة على دفع العذاب عنك ، ولست بمغن عنك مثقال ذرة من الخير .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كَمَثَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (16)

ويضرب للمنافقين الذين أغروا إخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب بالمقاومة ، فانتهوا بهم إلى تلك النهاية البائسة . يضرب لهم مثلا بحال دائمة . حال الشيطان مع الإنسان ، الذي يستجيب لإغرائه فينتهي وإياه إلى شر مصير :

( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان : اكفر . فلما كفر قال : إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين . فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها ، وذلك جزاء الظالمين ) . .

وصورة الشيطان هنا ودوره مع من يستجيب له من بني الإنسان ، تتفقان مع طبيعته ومهمته . فأعجب العجب أن يستمع إليه الإنسان . وحاله هو هذا الحال !

وهي حقيقة دائمة ينتقل السياق القرآني إليها من تلك الواقعة العارضة . فيربط بين الحادث المفرد والحقيقة الكلية ، في مجال حي من الواقع ؛ ولا ينعزل بالحقائق المجردة في الذهن . فالحقائق المجردة الباردة لا تؤثر في المشاعر ، ولا تستجيش القلوب للاستجابة . وهذا فرق ما بين منهج القرآن في خطاب القلوب ، ومنهج الفلاسفة والدارسين والباحثين !

وبهذا المثل الموحي تنتهي قصة بني النضير . وقد ضمت في ثناياها وفي أعقابها هذا الحشد من الصور والحقائق والتوجيهات . واتصلت أحداثها المحلية الواقعة بالحقائق الكبرى المجردة الدائمة . وكانت رحلة في عالم الواقع وفي عالم الضمير ، تمتد إلى أبعد من حدود الحادث ذاته ، وتفترق روايتها في كتاب الله عن روايتها في كتب البشر بمقدار ما بين صنع الله وصنع البشر من فوارق لا تقاس ! !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كَمَثَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (16)

وقوله : { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ } يعني : مثل هؤلاء اليهود في اغترارهم بالذين وعدوهم النصر من المنافقين ، وقول المنافقين لهم : { وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ } ثم لما حقت الحقائق وجَدَّ بهم الحصار والقتال ، تخلوا عنهم وأسلموهم للهلكة ، مثالهم في هذا كمثل الشيطان إذ{[28604]} سول للإنسان - والعياذ بالله - الكفر ، فإذا دخل فيما سوله{[28605]} تبرأ منه وتنصل ، وقال : { إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ }

وقد ذكر بعضهم هاهنا قصة لبعض عباد بني إسرائيل هي كالمثال لهذا المثل ، لا أنها المرادة وحدها بالمثل ، بل هي منه مع غيرها من الوقائع المشاكله لها ، فقال ابن جرير :

حدثنا خلاد بن أسلم ، أخبرنا النضر بن شُمَيْل ، أخبرنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، سمعت عبد الله بن نَهِيك قال : سمعت عليًا ، رضي الله عنه ، يقول : إن راهبًا تعبد ستين سنة ، وإن الشيطان أراده فأعياه ، فعمد إلى امرأة فأجنَّها ولها إخوة ، فقال لإخوتها : عليكم بهذا القس فيداويها . قال : فجاءوا بها إليه فداواها ، وكانت عنده ، فبينما هو يوما عندها إذ أعجبته ، فأتاها فحملت ، فعمد إليها فقتلها ، فجاء إخوتها ، فقال الشيطان للراهب : أنا صاحبك ، إنك أعييتني ، أنا صنعت هذا بك فأطعني أنجك مما صنعت بك ، فاسجد لي سجدة . فسجد له ، فلما سجد له قا ل :إني بريء منك ، إني أخاف الله رب العالمين ، فذلك قوله :{ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } {[28606]} .

وقال ابن جرير : حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن عمارة ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية : { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } قال : كانت امرأة ترعى الغنم ، وكان لها أربعة أخوة ، وكانت تأوي بالليل إلى صومعة راهب . قال : فنزل الراهب ففجَر بها ، فحملت ، فأتاه الشيطان فقال له : اقتلها ثم ادفنها ، فإنك رجل مُصدَّق يسمع قولك . فقتلها ثم دفتها . قال : فأتى الشيطانُ إخوتها في المنام فقال لهم : إن الراهب صاحب الصومعة فجَر بأختكم ، فلما أحبلها قتلها ثم دفنها في مكان كذا وكذا . فلما أصبحوا قال رجل منهم : والله لقد رأيت البارحة رؤيا ما أدري أقصها عليكم أم أترك ؟ قالوا : لا بل قصها علينا . قال : فقصها ، فقال الآخر : وأنا والله لقد رأيت ذلك ، فقال الآخر : وأنا والله لقد رأيت ذلك . فقالوا : فوالله ما هذا إلا لشيء . قال : فانطلقوا فاستعدوا ملكهم على ذلك الراهب ، فأتوه فأنزلوه ثم انطلقوا به فلقيه الشيطان فقال : إني أنا الذي أوقعتك في هذا ، ولن ينجيك منه غيري ، فاسجد لي سجدة واحدةً وأنجيك مما أوقعتك فيه . قال : فسجد له ، فلما أتوا به مَلكهم تَبَرأ منه ، وأُخِذَ فقتل{[28607]} .

وكذا روي عن ابن عباس ، وطاوس ، ومقاتل بن حيان ، نحو ذلك . واشتهر عند كثير من الناس أن هذا العابد هو برصيصا ، والله أعلم . وهذه القصة مخالفة لقصة جُرَيج العابد ، فإن جريجًا اتهمته امرأة بَغي بنفسها ، وادعت أن حَملها منه ، ورفعت أمره إلى ولي الأمر ، فأمر به فأنزل من صومعته وخُربت صومعته وهو يقول : ما لكم ؟ ما لكم ؟ فقالوا : يا عدو الله ، فعلت بهذه المرأة كذا وكذا . فقال : جريج : اصبروا ، ثم أخذ ابنها وهو صغير جدًا ثم قال : يا غلام ، من أبوك ؟ قال{[28608]} أبي الراعي - وكانت قد أمكنته من نفسها فحملت منه - فلما رأى بنو إسرائيل ذلك عظموه كلهم تعظيمًا بليغًا وقالوا : نعيد صومعتك من ذهب . قال : لا بل أعيدوها من طين ، كما كانت .


[28604]:- (3) في م: "إذا".
[28605]:- (4) في م، أ: "سوله له".
[28606]:-(5) تفسير الطبري (28/33).
[28607]:- (1) تفسير الطبري (28/33).
[28608]:-(2) في م: "فقال".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{كَمَثَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (16)

وقوله : { كَمَثلِ الشّيْطانِ إذْ قالَ للإنْسانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قال إنّي بَرِيءٌ مِنْكَ إنّي أخافُ اللّهَ رَبّ العَالمِينَ } يقول تعالى ذكره : مثل هؤلاء المنافقين الذين وعدوا اليهود من النضيرة النضرة ، إن قوتلوا ، أو الخروج معهم إن أُخرجوا ، ومثل النضير في غرورهم إياهم بإخلافهم الوعد ، وإسلامهم إياهم عند شدّة حاجتهم إليهم ، وإلى نُصرتهم إياهم ، كمثل الشيطان الذي غرّ إنْسانا ، ووعده على اتباعه وكفره بالله ، النصرة عند الحاجة إليه ، فكفر بالله واتبعه وأطاعه ، فلما احتاج إلى نُصرته أسلمه وتبرأ منه ، وقال له : إني أخاف الله ربّ العالمين في نُصرتك .

وقد اختلف أهل التأويل في الإنسان الذي قال الله جلّ ثناؤه إذْ قالَ للإنْسانِ اكْفُرْ هو إنسان بعينه ، أم أريد به المثل لمن فعل الشيطان ذلك به ، فقال بعضهم : عُنِي بذلك إنسان بعينه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : حدثنا النضر بن شميل ، قال : أخبرنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت عبد الله بن نهيك ، قال : سمعت عليا رضي الله عنه يقول : إن راهبا تعبّد ستين سنة ، وإن الشيطان أرداه فأعياه ، فعمد إلى امرأة فأجنها ، ولها إخوة ، فقال لإخوتها : عليكم بهذا القسّ فيداويها ، فجاءوا بها ، قال : فداواها ، وكانت عنده ، فبينما هو يوما عندها إذ أعجبته ، فأتاها فحملت ، فعمد إليها فقتلها ، فجاء إخوتها ، فقال الشيطان للراهب : أنا صاحبك ، إنك أعييتني ، أنا صنعت بك هذا فأطعني أنجك مما صنعتُ بك ، اسجد لي سجدة ، فسجد له فلما سجد له قال : إني بريء منك إني أخاف الله ربّ العالمين فذلك قوله : { كمَثَلِ الشّيْطَانِ إذْ قالَ للإنْسانِ اكُفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قالَ إنّي بَرِيءٌ مِنْكَ إنّي أخافُ اللّهَ رَبّ العالَمِينَ } .

حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن عمارة ، عن عبد الرحمن بن زيد ، عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية { كمَثَلِ الشّيْطَانِ إذْ قالَ للإنْسانِ اكُفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قالَ إنّي بَرِيءٌ مِنْكَ إنّي أخافُ اللّهَ رَبّ العالَمِينَ }قال : كانت امرأة ترعى الغنم ، وكان لها أربعة إخوة ، وكانت تأوي بالليل إلى صومعة راهب ، قال : فنزل الراهب ففجر بها ، فحملت ، فأتاه الشيطان ، فقال له اقتلها ثم ادفعها ، فإنك رجل مصدّق يسمع كلامك ، فقتلها ثم دفنها قال : فأتى الشيطان إخوتها في المنام ، فقال لهم : إن الراهب صاحب الصومعة فجر بأختكم فلما أحبلها قتلها ، ثم دفنها في مكان كذا وكذا ، فلما أصبحوا قال رجل منهم : والله لقد رأيت البارحة رؤيا وما أدري أقصها عليكم أم أترك ؟ قالوا : لا ، بل قُصّها علينا قال : فقصها ، فقال الاَخر : وأنا والله لقد رأيت ذلك قالوا : فما هذا إلا لشيء ، فانطلقوا فاستعدَوْا مَلِكَهُم على ذلك الراهب ، فأتَوه فأنزلوه ، ثم انطلقوا به ، فلقيه الشيطان فقال : إني أنا الذي أوقعتك في هذا ولن ينجيك منه غيري فاسجد لي سجدة واحدة وأنا أنجيك مما أوقعتك فيه قال : فسجد له فلما أَتَوا به ملكَهم تبرأ منه ، وأُخِذ فقتل .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { كمَثَلِ الشّيْطَانِ إذْ قالَ للإنْسانِ اكُفُرْ . . . إلى وَذَلكَ جزاءُ الظّالِمِينَ }قال عبد الله بن عباس : كان راهب من بني إسرائيل يعبد الله فيحسن عبادته ، وكان يُؤتى من كلّ أرض فيُسئل عن الفقه ، وكان عالما ، وإن ثلاثة إخوة كانت لهم أخت حسنة من أحسن الناس ، وإنهم أرادوا أن يسافروا ، فكبر عليهم أن يخلفوها ضائعة ، فجعلوا يأتمرون ما يفعلون بها فقال أحدهم : أدلكم على من تتركونها عنده ؟ قالوا : من هو ؟ قال : راهب بني إسرائيل ، إن ماتت قام عليها . وإن عاشت حفظها حتى ترجعوا إليه فعمدوا إليه فقالوا : إنا نريد السفر ، ولا نجد أحدا أوثق في أنفسنا ، ولا أحفظ لما وُلّيَ منك لما جعل عندك ، فإن رأيت أن نجعل أختنا عندك فإنها ضائعة شديدة الوجع ، فإن ماتت فقم عليها ، وإن عاشت فأصلح إليها حتى نرجع ، فقال : أكفيكم إن شاء الله فانطلقوا فقام عليها فداواها حتى بَرَأت ، وعاد إليها حسنها ، فاطلع إليها فوجدها متصنعة ، فلم يزل به الشيطان يزين له أن يقع عليها حتى وقع عليها ، فحملت ، ثم ندمه الشيطان فزين له قتلها قال : إن لم تقتلها افتضحت وعرف شبهك في الولد ، فلم يكن لك معذرة ، فلم يزل به حتى قتلها ، فلما قدم إخوتها سألوه ما فعلت ؟ قال : ماتت فدفنتها ، قالوا : قد أحسنت ، ثم جعلوا يرون في المنام ، ويخبرون أن الراهب هو قتلها ، وأنها تحت شجرة كذا وكذا ، فعمدوا إلى الشجرة فوجدوها تحتها قد قتلت ، فعمدوا إليه فأخذوه ، فقال له الشيطان : أنا زيّنت لك الزنا وقتلها بعد الزنا ، فهل لك أن أنجيك ؟ قال : نعم ، قال : أفتطيعني ؟ قال : نعم قال : فاسجد لي سجدة واحدة ، فسجد له ثم قتل ، فذلك قوله : { كمَثَلِ الشّيْطَانِ إذْ قالَ للإنْسانِ اكُفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قالَ إنّي بَرِيءٌ مِنْكَ }الآية .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : كان رجل من بني إسرائيل عابدا ، وكان ربما داوى المجانين ، فكانت امرأة جميلة ، فأخذها الجنون ، فجيء بها إليه ، فتركت عنده ، فأعجبته ، فوقع عليها فحملت ، فجاءه الشيطان فقال : إن عُلم بهذا افتضحت ، فاقتلها وادفنها في بيتك ، فقتلها ودفنها ، فجاء أهلها بعد ذلك بزمان يسألونه ، فقال : ماتت ، فلم يتهموه لصلاحه فيهم ، فجاءهم الشيطان فقال : إنها لم تمت ، ولكنه وقع عليها فقتلها ودفنها في بيته في مكان كذا وكذا ، فجاء أهلها ، فقالوا : ما نتهمك ، فأخبرنا أين دفنتها ، ومن كان معك ، فوجدوها حيث دفنها ، فأُخذ وسُجن ، فجاءه الشيطان فقال : إن كنت تريد أن أخرجك مما أنت فيه فتخرج منه ، فاكفر بالله ، فأطاع الشيطان ، وكفر بالله ، فأُخذ وقتل ، فتبرأ الشيطان منه حينئذ . قال : فما أعلم هذه الآية إلا نزلت فيه { كمَثَلِ الشّيْطَانِ إذْ قالَ للإنْسانِ اكُفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قالَ إنّي بَرِيءٌ مِنْكَ إنّي أخافُ اللّهَ رَبّ العالَمِينَ } .

وقال آخرون : بل عُنِي بذلك الناس كلهم ، وقالوا : إنما هذا مثل ضُرِب للنضير في غرور المنافقين إياهم . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { كَمَثَلِ الشّيْطَانِ إذْ قالَ للإنْسانِ اكْفُرُ } عامّة الناس .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{كَمَثَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (16)

{ كمثل الشيطان }أي مثل المنافقين في إغراء اليهود على القتال { كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر } أغراه على الكفر إغراء الآمر المأمور ، { فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين }تبرأ منه مخافة أن يشاركه في العذاب ولم ينفعه ذلك كما قال .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَمَثَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (16)

وقوله تعالى : { كمثل الشيطان } معناه مثل هاتين الفرقتين من المنافقين وبني النضير { كمثل الشيطان } والإنسان ، فالمنافقون مثلهم الشيطان وبنو النضير مثلهم الإنسان ، وذهب مجاهد وجمهور من المتأولين إلى أن { الشيطان } و «الإنسان » في هذه الآية أسماء جنس لأن العرف أن يعمل هذا شياطين بناس كما يغوي الشيطان الإنسان ثم يفر منه بعد أن يورطه ، كذلك أغوى المنافقون بني النضير وحرضوهم على الثبوت ووعدوهم النصر ، فلما نشب بنو النضير وكشفوا عن وجوههم تركهم المنافقون في أسوأ حال ، وذهب قوم من رواة القصص أن هذا شيطان مخصوص مع عابد من العباد مخصوص ، وذكر الزجاج أن اسمه برصيص ، قالوا إنه استودع امرأة وقيل سيقت إليه ليشفيها بدعائه من الجنون فسول له الشيطان الوقوع عليها فحملت ، فخشي الفضيحة ، فسول له قتلها ودفنها ، ففعل ثم شهره ، فلما استخرجت المرأة وحمل العابد شر حمل وهو قد قال : إنها قد ماتت فقمت عليها ودفنتها ، فلما وجدت مقتولة علموا كذبه فتعرض له الشيطان فقال له : اكفر واسجد لي وأنجيك ، ففعل وتركه عند ذلك .

وقال :{ إني بريء منك } ، وهذا كله حديث ضعيف ، والتأويل الأول هو وجه الكلام وقول الشيطان : { إني أخاف الله } ، رياء من قوله وليست على ذلك عقيدته ، ولا يعرف الله حق معرفته ولا يحجزه خوفه عن سوء يوقع فيه ابن آدم من أول إلا آخر .