الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{كَمَثَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (16)

أخرج عبد الرزاق وابن راهويه وأحمد في الزهد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن علي بن أبي طالب أن رجلاً كان يتعبد في صومعة ، وأن امرأة كان لها إخوة فعرض لها شيء ، فأتوه بها ، فزينت له نفسه فوقع عليها ، فجاءه الشيطان فقال : اقتلها فإنهم إن ظهروا عليك افتضحت ، فقتلها ودفنها ، فجاءوه فأخذوه ، فذهبوا به ، فبينما هم يمشون إذ جاءه الشيطان فقال : إني أنا الذي زينت لك فاسجد لي سجدة أنجيك ، فسجد له ، فذلك قوله : { كمثل الشيطان إذ قال للإِنسان اكفر } الآية .

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله : { كمثل الشيطان } الآية ، قال : كان راهب من بين إسرائيل يعبد الله فيحسن عبادته ، وكان يؤتي من كل أرض فيسأل عن الفقه ، وكان عالماً ، وإن ثلاثة إخوة لهم أخت حسناء من أحسن الناس ، وإنهم أرادوا أن يسافروا ، وكبر عليهم أن يدعوها ضائعة ، فعمدوا إلى الراهب ، فقالوا : إنا نريد السفر ، وإنا لا نجد أحد أوثق في أنفسنا ولا آمن عندنا منك ، فإن رأيت جعلنا أختنا عندك ، فإنها شديدة الوجع ، فإن ماتت ، فقم عليها ، وإن عاشت فأصلح إليها حتى ترجع ، فقال : أكفيكم إن شاء الله ، فقام عليها فداواها حتى برئت وعاد إليها حسنها ، وإنه اطلع إليها فوجدها متصنعة ، ولم يزل به الشيطان حتى وقع عليها فحملت ، ثم ندمه الشيطان فزين له قتلها وقال : إن لم تفعل افتضحت وعرف أمرك ، فلم يكن لك معذرة ، فلم يزل به حتى قتلها ، فلما قدم إخوتها سألوه ما فعلت ؟ قال : ماتت ، فدفنتها . قالوا : أحسنت . فجعلوا يرون في المنام ويخبرون أن الراهب قتلها وأنها تحت شجرة كذا وكذا ، وأنهم عمدوا إلى الشجرة فوجدها قد قتلت ، فعمدوا إليه فأخذوه فقال الشيطان : أنا الذي زينت لك الزنا وزينت لك قتلها ، فهل لك أن تطيعني وأنجيك ؟ قال : نعم ، قال : قال فاسجد لي سجدة واحدة فسجد له ثم قتل فذلك قول الله :{ كمثل الشيطان إذ قال للإِنسان اكفر } الآية .

وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في هذه الآية قال : كانت امرأة ترعى الغنم وكان لها أربعة إخوة ، وكانت تأوي بالليل إلى صومعة راهب فنزل الراهب ففجر بها ، فأتاه الشيطان فقال : اقتلها ثم ادفنها ، فإنك رجل مصدق يسمع قولك ، فقتلها ثم دفنها ، فأتى الشيطان إخوتها في المنام ، فقال لهم : إن الراهب فجر بأختكم ، فلما أحبلها قتلها ثم دفنها في مكان كذا وكذا ، فلم أصبح قال رجل منهم : لقد رأيت البارحة كذا وكذا فقال الآخر : وأنا والله لقد رأيت كذلك فقال الآخر : وأنا والله لقد رأيت كذلك قالوا : فوالله ما هذا إلا لشيء ، فانطلقوا فاستعدوا ملكهم على ذلك الراهب فأتوه فأنزلوه ، ثم انطلقوا به ، فلقيه الشيطان فقال : إني أنا الذي أوقعتك في هذا ، ولن ينجيك منه غيري فاسجد لي سجدة واحدة وأنجيك مما أوقعتك فيه ، فسجد له فلما أتوا به ملكهم تبرأ منه وأُخِذَ فقُتِل .

وأخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن عبيد بن رفاعة الدارمي يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال : كان راهب في بني إسرائيل ، فأخذ الشيطان جارية فخنقها فألقى في قلوب أهلها أن دواءها عند الراهب ، فأتي بها الراهب ، فأبى أن يقبلها ، فلم يزالوا به حتى قبلها ، فكانت عنده ، فأتاه الشيطان فوسوس له وزين له ، فلم يزل به حتى وقع عليها ، فلما حملت وسوس له الشيطان فقال : الآن تفتضح يأتيك أهلها فاقتلها ، فإن أتوك ، فقل : ماتت ، فقتلها ودفنها فأتى الشيطان أهلها فوسوس إليهم ، وألقى في قلوبهم أنه أحبلها ثم قتلها ، فأتاه أهلها فسألوه فقال : ماتت ، فأخذوه فأتاه الشيطان فقال : أنا الذي ألقيت في قلوب أهلها ، وأنا الذي أوقعتك في هذا فأطعني تنج واسجد لي سجدتين فسجد له سجدتين فهو الذي قال الله { كمثل الشيطان إذ قال للإِنسان اكفر } الآية .

وأخرج ابن المنذر والخرائطي في اعتلال القلوب من طريق عدي بن ثابت عن ابن عباس في الآية قال : كان راهب في بني إسرائيل متعبداً زماناً حتى كان يؤتى بالمجانين فيقرأ عليهم ويعودهم حتى يبرؤوا فأتى بامرأة في شرف قد عرض لها الجنون ، فجاء إخوتها إليه ليعوذها ، فلم يزل به الشيطان يزين له حتى وقع عليها فحملت ، فلما عظم بطنها لم يزل الشيطان يزين له حتى قتلها ودفنها في مكان ، فجاء الشيطان في صورة رجل إلى بعض إخوتها فأخبره ، فجعل الرجل يقول لأخيه : والله لقد أتاني آت فأخبرني بكذا وكذا حتى أفضى به بعضهم إلى بعض حتى رفعوه إلى ملكهم ، فسار الملك والناس حتى استنزله فأقر واعترف فأمر به الملك فصلب ، فأتاه الشيطان وهو على خشبته فقال : أنا الذي زينت لك ، هذا وألقيتك فيه ، فهل أنت مطيعي فيما آمرك به وأخلصك ؟ قال : نعم . قال : فاسجد لي سجدة واحدة ، فسجد له وكفر ، فقتل في تلك الحال .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن طاووس قال : كان رجل من بني إسرائيل عابداً وكان ربما داوى المجانين وكانت امرأة جميلة أخذها الجنون فجيء بها إليه فتركت عنده ، فأعجبته ، فوقع عليها ، فحملت ، فجاءه الشيطان ، فقال : إن علم بهذا افتضحت فاقتلها وادفنها في بيتك ، فقتلها فجاء أهلها بعد زمان يسألونه عنها ، فقال : ماتت ، فلم يتهموه لصلاحه فيهم ورضاه ، فجاءهم الشيطان فقال : إنها لم تمت ولكنه وقع عليها فحملت فقتلها ودفنها في بيته في مكان كذا وكذا ، فجاء أهلها فقالوا : ما نتهمك ، ولكن أخبرنا أين دفنتها ومن كان معك ففتشوا بيته فوجدوها حيث دفنها ، فأخذ فسجن ، فجاءه الشيطان فقال : إن كنت تريد أن أخرجك مما أنت فيه فأكفر بالله ، فأطاع الشيطان وكفر ، فأخذ وقتل فتبرأ منه الشيطان حينئذ . قال طاووس : فما أعلم إلا أن هذه الآية أنزلت فيه { كمثل الشيطان إذ قال للإِنسان اكفر } الآية .

وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود في الآية قال : ضرب الله مثل الكفار والمنافقين الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم { كمثل الشيطان إذ قال للإِنسان اكفر } .

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه { كمثل الشيطان إذ قال للإِنسان اكفر } قال : عامة الناس .

وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش أنه كان يقرأ «فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدان فيها » والله أعلم .