فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{كَمَثَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (16)

{ كَمَثَلِ الشيطان إِذْ قَالَ للإنسان اكفر } أي مثلهم في تخاذلهم وعدم تناصرهم ، فهو إما خبر مبتدأ محذوف ، أو خبر آخر للمبتدأ المقدّر قبل قوله : { كَمَثَلِ الذين مِن قَبْلِهِمْ } على تقدير حذف حرف العطف كما تقول : أنت عاقل ، أنت عالم ، أنت كريم .

وقيل : المثل الأوّل خاص باليهود ، والثاني خاص بالمنافقين ، وقيل : المثل الثاني بيان للمثل الأوّل . ثم بيّن سبحانه وجه الشبه فقال : { إِذْ قَالَ للإنسان اكفر } أي أغراه بالكفر وزينه له وحمله عليه ، والمراد بالإنسان هنا : جنس من أطاع الشيطان من نوع الإنسان ، وقيل : هو عابد كان في بني إسرائيل حمله الشيطان على الكفر فأطاعه { فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنّي بريء مّنكَ } أي فلما كفر الإنسان مطاوعة للشيطان ، وقبولاً لتزيينه قال الشيطان : إني بريء منك ، وهذا يكون منه يوم القيامة ، وجملة : { إِنّي أَخَافُ الله رَبَّ العالمين } تعليل لبراءته من الإنسان بعد كفره ، وقيل : المراد بالإنسان هنا : أبو جهل ، والأوّل أولى . قال مجاهد : المراد بالإنسان هنا : جميع الناس في غرور الشيطان إياهم ، قيل : وليس قول الشيطان : { إِنّي أَخَافُ الله } على حقيقته ، إنما هو على وجه التبرّي من الإنسان فهو تأكيد لقوله : { إِنّي بَرِيء مّنكَ } قرأ الجمهور : { إنِّيْ } بإسكان الياء . وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتحها .

/خ20