الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{كَمَثَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (16)

وقوله سبحانه : { كَمَثَلِ الشيطان } معناه : أَنَّ هاتينِ الفرقتين من المنافقين وبني النضير ، كمثل الشيطان مع الإنسان ؛ فالمنافقونَ مَثَلُهُمُ الشيطان ، وبنو النضير مثلهم الإنسان ، وذهب مجاهد وجمهور من المتأولين إلى أَنَّ الشيطانَ والإنسانَ في هذه الآية اسما جنس ، فكما أَنَّ الشيطان يغوي الإنسان ، ثم يَفِرُّ عنه بعد أَنْ يُوَرِّطَهُ ؛ كذلك أغوى المنافقون بني النضير وحَرَّضُوهم على الثبوت ، ووعدوهم النصرَ ، فَلَمَّا نَشَبَ بنو النضير ، وكشفوا عن وجوههم تركهم المنافقون في أسوأ حال ، وذهب قوم من رواة القصص إلى أَنَّ هذا في شيطانٍ مخصوصٍ مع عابد مخصوص ، اسمه «بَرْصِيصَا » ، اسْتُودِعَ امرأة جميلةً ، وقيل : سِيقَتْ إليه لِيَشْفِيهَا بدعائه من الجنون ، فَسَوَّلَ له الشيطانُ الوقوعَ عليها ، فحملت منه ، فَخَشِيَ الفضيحة ، فسَوَّلَ له قَتْلَهَا وَدَفْنَهَا ، ففعل ، ثم شَهَّرَهُ ، فَلَمَّا اسْتُخْرِجَتِ المرأة ، وحُمِلَ العابدُ شَرَّ حَمْلٍ ، وَصُلِبَ جَاءَهُ الشيطانُ فَقَالَ له : اسجد لي سجدةً وأنا أُخَلِّصُكَ ، فسجد له ، فقال له الشيطان : هذا الذي أردتُ منك أَنْ كفرتَ بربك ، إنِّي بريء منك ، فضرب اللَّه تعالى هذا المَثَلَ ليهودِ بني النضير والمنافقين ، وهذا يحتاج إلى صِحَّةِ سَنَدٍ ، والتأويل الأول هو وجه الكلام .

( ت ) : قال السهيلي : وقد ذكر هذه القصةَ هكذا القاضي إسماعيلُ وغيره من طريق سفيان عن عمرو بن دينار ، عن عُرْوَةَ بنِ عَامِرِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ الزُّرْقِيِّ ، عنِ النبي صلى الله عليه وسلم : " أنَّ رَاهِباً كَانَ في بَنِي إسرائيل " فذكر القصة بكمالها ، ويقال : إنَّ اسمَ هذا الراهب «بَرْصِيصَا » ، ولم يذكر اسمه القاضي إسماعيل ، انتهى ، قال ( ع ) : وقول الشيطان : { إِنِّي أَخَافُ الله } رياءً من قوله ، وليست على ذلك عقيدته ، ولا يعرف اللَّه حَقَّ معرفته ، ولا يحجزه خوفُه عن سُوءٍ يوقع فيه ابنَ آدم من أول إلى آخر .