القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مّطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ } .
يقول تعالى ذكره : وأمطرنا على قوم لوط الذين كذّبوا لوطا ولم يؤمنوا به مطرا من حجارة من سجيل أهلكناهم به . فانُظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُجْرِمِينَ يقول جلّ ثناؤه : فانظر يا محمد إلى عاقبة هؤلاء الذين كذّبوا الله ورسوله من قوم لوط ، فاجترموا معاصي الله وركبوا الفواحش واستحلوا ما حرّم الله من أدبار الرجال ، كيف كانت وإلى أي شيء صارت هل كانت إلا البوار والهلاك ؟ فإن ذلك أو نظيره من العقوبة ، عاقبة من كذّبك واستكبر عن الإيمان بالله وتصديقك إن لم يتوبوا ، من قومك .
وقوله تعالى : { وأمطرنا عليهم } الآية ، نص على إمطار وتظاهرت الآيات في غير هذه السورة أنه بحجارة ، وروي أن الله عز وجل بعث جبريل فاقتلعها بجناحه وهي ست مدن ، وقيل خمس ، وقيل أربع ، فرفعها حتى سمع أهل السماء نهاق الحمير وصراخ الديكة ثم عكسها ورد أعلاها أسفلها وأرسلها إلى الأرض . وتبعتهم الحجارة مع هذا فأهلكت من كان منهم في سفر أو خارجاً عن البقع المرفوعة ، وقالت امرأة لوط حين سمعت الرجة : واقوماه والتفتت فأصابتها صخرة فقتلتها .
الإمطار مشتقّ من المطر ، والمطر اسم للماء النّازل من السّحاب ، يقال : مطرتهم السّماء بدون همزة بمعنى نزل عليهم المطر ، كما يقال : غاثتهم ووبلتهم ، ويقال : مكان ممطور ، أي أصابه المطر ، ولا يقال : مُمْطَر ، ويقال أمطروا بالهمزة بمعنى نزل عليهم من الجوّ ما يشبه المطر ، وليس هو بمطر ، فلا يقال : هم ممطرون ، ولكن يقال : هم مُمْطَرون ، كما قال تعالى : { وأمطَرنا عليهم حجارة من سجّيل } [ هود : 82 ] وقال : { فأمْطِرْ علينا حجارة من السّماء } [ الأنفال : 32 ] ، كذا قال الزّمخشري هنا وقال ، في سورة الأنفال : قد كثر الإمطار في معنى العذاب ، وعن أبي عبيدة أنّ التّفرقة بين مُطِرَ وَأمْطِر ؛ أن مُطر للرّحمة وأمطر للعذاب ، وأمّا قوله تعالى في سورة الأحقاف ( 24 ) : { قالوا هذا عارض مُمْطِرنا فهو يعكّر على كلتا التّفرقتين } ويعين أن تكون التفرقة أغلبيّة .
وكان الذي أصاب قوم لوط حجراً وكبريتاً من أعلى القُرى كما في التّوراة وكان الدّخان يظهر من الأرض مثل دخان الأتون ، وقد ظنّ بعض الباحثين أنّ آبار الحُمَر التي ورد في التّوراة أنّها كانت في عمق السديم ، كانت قابلة للالتهاب بسبب زلازل أو سقوط صواعق عليها . وقد ذكر في آية أخرى ، في القرآن : أنّ الله جعل عَالِيَ تلك القُرى سافلاً ، وذلك هو الخَسْف وهو من آثار الزلازل . ومن المستقرب أن يكون البحر الميّت هنالك قد طغى على هذه الآبار أو البراكين من آثار الزّلزال .
وتنكير : { مطراً } للتعظيم والتّعجيب أي : مطراً عجيباً من شأنه أن يُهلك القرى .
وتفرّع عن هذه القصّة العجيبة الأمرُ بالنّظر في عاقبتهم بقوله : { فانظر كيف كان عاقبة المجرمين } فالأمر للارشاد والاعتبار . والخطاب يجوز أن يكون لغير مُعَيَّن بل لكلّ من يتأتَّى منه الاعتبار ، كما هو شأن إيراد التّذييل بالاعتبار عقب الموعظة ، لأنّ المقصود بالخطاب كلّ من قصد بالموعظة ، ويجوز أن يكون الخطاب للنّبيء صلى الله عليه وسلم تسلية له على ما يلاقيه من قومه الذين كذّبوا بأنّه لا ييأس من نصر الله ، وأنّ شأن الرّسل انتظار العواقب .
والمجرمون فاعلوا الجريمة ، وهي المعصية والسيّئة ، وهذا ظاهر في أنّ الله عاقبهم بذلك العقاب على هذه الفاحشة ، وأنّ لوطاً عليه السّلام أرسل لهم لنهيهم عنها ، لا لأنّهم مشركون بالله ، إذ لم يُتعرّض له في القرآن بخلاف ما قُصّ عن الأمم الأخرى ، لكنّ تمالئهم على فعل الفاحشة واستحلالهم إياها يدلّ على أنّهم لم يكونوا مؤمنين بالله ، وبذلك يؤذن قوله تعالى في سورة التّحريم ( 10 ) : { ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط } فيكون إرسال لوط عليه السّلام بإنكار تلك الفاحشة ابتداء بتطهير نفوسهم ، ثمّ يصف لهم الإيمان ، إذ لا شكّ أنّ لوطاً عليه السّلام بلّغهم الرّسالة عن الله تعالى ، وذلك يتضمّن أنّه دعاهم إلى الإيمان ، إلاّ أنّ اهتمامه الأوّل كان بإبطال هذه الفاحشة ، ولذلك وقع الاقتصار في إنكاره عليهم ومجادلتهم إياه على ما يخصّ تلك الفاحشة ، وقد علم أنّ الله أصابهم بالعذاب عقوبة ، على تلك الفاحشة ، كما قال في سورة العنكبوت : ( 34 ) : { إنَّا مُنزلون على أهل هذه القرية رجزاً من السّماء بما كانوا يفسقون وأنّهم لو أقلعوا عنها لتُرك عذابهم على الكفر إلى يوم آخَر أو إلى اليومِ الآخِر . }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.