اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهِم مَّطَرٗاۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (84)

قوله : " وأمْطَرْنَا " قال أبو عُبَيْدٍ : " يقال : مُطِر في الرحمة ، وأمْطِر في العذاب " .

وقال [ أبو القاسم ]{[16487]} الرَّاغِبُ{[16488]} : ويقال : مطر في الخير ، وأمطر في العذاب ، قال تعالى : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً } [ الحجر : 74 ] .

وهذا مردود بقوله تعالى : { هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } [ الأحقاف : 24 ] فإنهم إنَّما عنوا بذلك الرحمة ، وهو من أمْطَرَ : رباعيا ، ومطر وأمطر بمعنى واحد يتعديان لواحد ، يقال مطرتهم السماء وأمْطرتهم ، وقوله تعالى هنا : " وأمْطَرْنا " ضُمِّن معنى " أرْسَلْنَا " ولذلك عُدِّي ب " عَلَى " ، وعلى هذا ف " مَطَراً " مفعولٌ به لأنَّهُ يُراد به الحجارة ، ولا يُرَادُ به المصدر أصلاً ، إذ لو كان كذلك لقيل : أمطار .

ويوم مَطِيرٌ : أي : مَمْطُورٌ . ويوم ماطر ومُمْطِرٌ على المجاز كقوله : { فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ } [ إبراهيم : 18 ] ، ووادٍ مطير فقط فلم يُتَجَوَّزْ فيه ومطير بمعنى مُمْطِر ؛ قال : [ الطويل ]

حَمَامَةَ بَطْنِ الوَاديَيْنِ تَرَنَّمِي *** سَقَاكِ من الغُرِّ الغَوَادِي مَطِيرُهَا{[16489]}

فعيل هنا بمعنى فاعل ؛ لأنَّ السَّحاب يمطرُ غيرها ، ونكَّر " مطراً " تعظيماً ، والمرادُ بالمطر هنا يعني حجارة من سجيل .

قال وهب : " هي الكبريت والنَّار فانظر كَيْفَ كان عاقِبةُ المجرمين " .

فصل في إيجاب اللواط الحد

اللِّوَاط يوجب الحد ، وهذه الآية تدلُّ عليه من وجوه :

الأول : أنَّهُ ثبت في شريعةِ لُوطٍ رجم اللوطيّ ، والأصل بقاء ما ثبت إلى أنْ يرد الناسخ ، ولم يرد في شرع مُحَمَّدٍ - عليه الصلاة والسلام - ما ينسخه ، فوجب الحكم ببقائه .

الثاني : قوله تعالى : { أولئك الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده } [ الأنعام : 90 ] .

الثالث : قوله تعالى : { فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المجرمين } .

والمرادُ من هذه العاقبة ما سبق ذكره من إنْزالِ الحجر عليهم من المجرمين الذين يعملون عمل قوم لوط ؛ لأنَّ ذلك هو المدلول السابق ، فينصرف إليه ذكر الحكم عقيب الوَصْفِ مشعراً بالعليَّة .

وقال أبو حنيفة : " اللَّوَاطُ لا يوجب الحدَّ " .

واختلفوا في حدّ اللاَّئط : فقال بعضهم : " يُرجم مُحْصَناً كان ، أو غير محصن ، وكذلك المفعول به إن كان محتلماً " .

وقال بعضهم : " إنْ كان محصناً رجم ، وإن كان غير محصن أدّب وحبس " .

وقال أبو حنيفة : يُعزَّر ، [ وحجة الجمهور أن الله تعالى ] عذب قوم لوط بالرجم وقال عليه الصَّلاة والسَّلامُ : " مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَل عَمَلَ قَوْمِ لوطٍ فاقْتُلُوا الفاعلَ والمَفْعُولَ بِهِ{[16490]} "

وروي عن أبي بكر الصديق أنَّهُ حَرَّقَ رجُلاً يُسَمّى الفُجَاءَة حين عمل عمل قوم لوط بالنَّار{[16491]} ، وأحرقهم ابن الزُّبير في زمانه ، ثم أحرقهم هِشامُ بنُ الوليدِ ، ثم أحرقهم خالد القَسْريُّ ب " العراق " .

وروي أن سبعة أخذوا في زمان ابن الزُّبير في لواط ، فسألَ عنهم ، فوجد أرْبَعةً منهم أحصنوا ، فخرج بهم من الحرم ، فرُجموا بالحجارة حتى ماتوا ، وحد الثلاثة ، وعنده ابن عباس وابن عمر فلم ينكرا ، وهذا مذهب الشافعي .

قال ابن العربيِّ : الأوَّلُ أصحُّ سنداً وهو مذهب مالك .

فإن أتى البهيمة قيل : يقتل هو والبهيمة{[16492]} .

وقيل : يقتل دون البهيمة .


[16487]:سقط من أ.
[16488]:ينظر: المفردات للراغب 470.
[16489]:تقدم.
[16490]:أخرجه أحمد في المسند 1/300 وأخرجه أبو داود في السنن 4/607-608، كتاب الحدود، باب فيمن عمل عمل قوم لوط الحديث (4462) وأخرجه الترمذي في السنن 4/57، كتاب الحدود باب ما جاء في حد اللوطي الحديث (1456). وأخرجه ابن ماجه في السنن 2/856، كتاب الحدود باب من عمل عمل قوم لوط الحديث وأخرجه الحاكم في المستدرك 4/355 كتاب الحدود باب يقتل من شتم النبي صلى الله عليه وسلم وصححه ووافقه الذهبي وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8/232 كتاب الحدود، باب ما جاء في حد اللوطي.
[16491]:انظر: تفسير القرطبي 7/156.
[16492]:في ب: والرأس.