قوله تعالى : { لن تنفعكم أرحامكم } معناه : لا يدعونكم ولا يحملنكم ذوو أرحامكم وقراباتكم وأولادكم الذين بمكة إلى خيانة الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وترك مناصحتهم وموالاة أعدائهم فلن تنفعكم أرحامكم ، { ولا أولادكم } الذين عصيتم الله لأجلهم ، { يوم القيامة يفصل بينكم } فيدخل أهل طاعته الجنة وأهل معصيته النار .
قرأ عاصم ويعقوب يفصل بفتح الياء وكسر الصاد مخففاً ، وقرأ حمزة والكسائي بضم الياء وكسر الصاد مشدداً ، وقرأ ابن عامر بضم الياء وفتح الصاد مشدداً ، وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الصاد مخففاً . { والله بما تعملون بصير } .
هذه هي الجولة الأولى بلمساتها المتعددة . ثم تليها جولة ثانية بلمسة واحدة تعالج مشاعر القرابة ووشائجها المتأصلة ؛ والتي تشتجر في القلوب فتجرها جرا إلى المودة ؛ وتنسيها تكاليف التميز بالعقيدة :
( لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم . يوم القيامة يفصل بينكم . والله بما تعملون بصير ) . .
إن المؤمن يعمل ويرجو الآخرة . يزرع هنا وينتظر الحصاد هناك . فلمسة قلبه بما يكون في الآخرة من تقطيع وشائج القربى كلها إذا تقطعت وشيجة العقيدة ، من شأنها أن تهون عنده شأن هذه الوشائج في فترة الحياة الدنيا القصيرة ؛ وتوجهه إلى طلب الوشيجة الدائمة التي لا تنقطع في دنيا ولا في آخرة :
ومن ثم يقول لهم : ( لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم ) . . التي تهفون إليها وتتعلق قلوبكم بها ؛ وتضطركم إلى موادة أعداء الله وأعدائكم وقاية لها - كما حدث لحاطب في حرصه على أولاده وأمواله - وكما تجيش خواطر آخرين غيره حول أرحامهم وأولادهم الذين خلفوهم في دار الهجرة . لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم . ذلك أنه ( يوم القيامة يفصل بينكم ) . . لأن العروة التي تربطكم مقطوعة . وهي العروة التي لا رباط بغيرها عند الله .
( والله بما تعملون بصير ) . . مطلع على العمل الظاهر والنية وراءه في الضمير
وقوله : { لَنْ تَنْفَعَكُمْ أرْحامُكُمْ وَلا أوْلادُكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ } يقول تعالى ذكره : لا يدعونكم أرحامكم وقراباتكم وأولادكم إلى الكفر بالله ، واتخاذ أعدائه أولياء تلقون إليهم بالمودّة . فإنه لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم عند الله يوم القيامة ، فتدفع عنكم عذاب الله يومئذ ، إن أنتم عصيتموه في الدنيا ، وكفرتم به .
وقوله : { يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ }يقول جلّ ثناؤه : يفصل ربكم أيها المؤمنون بينكم يوم القيامة بأن يدخل أهل طاعته الجنة ، وأهل معاصيه والكفر به النار .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة ومكة والبصرة : «يُفْصَلُ بَيْنَكُمْ » بضم الياء وتخفيف الصاد وفتحها ، على ما لم يسمّ فاعله . وقرأه عامة قرّاء الكوفة خلا عاصم بضم الياء وتشديد الصاد وكسرها بمعنى : يفصل الله بينكم أيها القوم . وقرأه عاصم بفتح الياء وتخفيف الصاد وكسرها ، بمعنى يفصل الله بينكم . وقرأ بعض قرّاء الشام «يُفَصّلُ » بضم الياء وفتح الصاد وتشديدها على وجه ما لم يسم فاعله .
وهذه القراءات متقاربات المعاني صحيحات في الإعراب ، فبأيتها قرأ القارىء فمصيب .
وقوله : { واللّهُ بِمَا تَعْمَلونَ بَصِيرٌ }يقول جلّ ثناؤه : والله بأعمالكم أيها الناس ذو علم وبصر ، لا يخفى عليه منها شيء ، هو بجميعها محيط ، وهو مجازيكم بها إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ ، فاتقوا الله في أنفُسكم واحذروه .
ثم أخبر تعالى أن هذه الأرحام التي رغبتم في وصلها ليست بنافعة يوم القيامة فالعامل في { يوم } قوله :{ تنفعكم } ، وقال بعض النحاة في كتاب الزهراوي ، العامل فيه { يفصل } وهو مما بعده لا مما قبله ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والعامة : «يُفْصَل » بضم الياء وسكون الفاء وتخفيف الصاد مفتوحة ، وقرأ ابن عامر والأعرج وعيسى : «يُفَصَّل » بضم الياء وفتح الفاء وشد الصاد منصوبة ، واختلف على هاتين القراءتين في إعراب قوله : { بينكم } فقيل : نصب على الظرفية ، وقيل رفع على ما لم يسم فاعله إلا أن لفظه بقي منصوباً لأنه كذلك كثر استعماله ، وقرأ عاصم والحسن والأعمش : «يَفْصِل » بفتح الياء وسكون الفاء وكسر الصاد خفيفة ، وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب : «يُفَصِّل » بضم الياء وفتح الفاء وشد الصاد المكسورة ، وإسناد الفعل في هاتين القراءتين إلى الله تعالى ، وقرأ النخعي وطلحة بن مصرف : «نفَصِّلُ » بنون العظمة مرفوعة وفتح الفاء وشد الصاد المكسورة ، وقرأ بعض الناس : «نَفْصل » بنون العظمة مفتوحة وسكون الفاء ، وقرأ أبو حيوة ، بضم الياء وسكون الفاء وكسر الصاد خفيفة من : «أفصل » وفي قوله تعالى : { والله بما تعملون بصير } وعيد وتحذير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.