قوله تعالى : { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً } أي : اذكر لهم يا محمد اليوم الذي يجمع فيه من اتقى الله في الدنيا بطاعته إلى الرحمن ، إلى جنته وفداً ، أي : جماعات ، جمع وافد ، مثل : راكب وركب ، وصاحب صحب . وقال ابن عباس : ركباناً . وقال أبو هريرة : على الإبل . وقال علي بن أبي طالب : ما يحشرون والله على أرجلهم ، ولكن على نوق ، رحالها الذهب ، ونجائب سرجها يواقيت ، إن هموا بها سارت ، وإن هموا بها طارت .
{ 85 - 87 } { يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا * لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا }
يخبر تعالى عن تفاوت الفريقين المتقين ، والمجرمين ، وأن المتقين له -باتقاء الشرك والبدع والمعاصي- يحشرهم إلى موقف القيامة مكرمين ، مبجلين معظمين ، وأن مآلهم الرحمن ، وقصدهم المنان ، وفودا إليه ، والوافد لابد أن يكون في قلبه من الرجاء ، وحسن الظن بالوافد [ إليه ] ما هو معلوم ، فالمتقون يفدون إلى الرحمن ، راجين منه رحمته وعميم إحسانه ، والفوز بعطاياه في دار رضوانه ، وذلك بسبب ما قدموه من العمل بتقواه ، واتباع مراضيه ، وأن الله عهد إليهم بذلك الثواب على ألسنة رسله فتوجهوا إلى ربهم مطمئنين به ، واثقين بفضله .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتّقِينَ إِلَى الرّحْمََنِ وَفْداً * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىَ جَهَنّمَ وِرْداً } .
يقول تعالى ذكره : يوم نجمع الذين اتقوا في الدنيا فخافوا عقابه ، فاجتنبوا لذلك معاصيه ، وأدّوا فرائضه إلى ربهم وَفْدا يعني بالوفد : الركبان . يقال : وفدت على فلان : إذا قدمت عليه ، وأوفد القوم وفدا على أميرهم ، إذا بعثوا من قبلهم بعثا . والوفد في هذا الموضع بمعنى الجمع ، ولكنه واحد ، لأنه مصدر واحدهم وافد ، وقد يجمع الوفد : الوفود ، كما قال بعض بني حنيفة :
إنّي لَمُمْتَدِحٌ فَمَا هُوَ صَانِعٌ *** رأسُ الُوفُودِ مُزاحمُ بنَ جِساسِ
وقد يكون الوفود في هذا الموضع جمع وافد ، كما الجلوس جمع جالس . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن النعمان بن سعد ، عن عليّ ، في قوله : يَوْمَ نَحْشُرُ المُتّقِينَ إلى الرّحْمَنِ وَفْدا قال : أما والله ما يحشر الوفد على أرجلهم ، ولا يساقون سوقا ، ولكنهم يؤتون بنوق لم ير الخلائق مثلها ، عليها رِحال الذهب ، وأزمتها الزبرجد ، فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن شعبة ، عن إسماعيل ، عن رجل ، عن أبي هريرة يَوْمَ نَحْشُرُ المُتّقِينَ إلى الرّحْمَنِ وَفْدا قال : على الإبل .
حدثنا عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : يَوْمَ نَحْشُرُ المُتّقِينَ إلى الرّحْمَنِ وَفْدا يقول : ركبانا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم بن بشير ، قال : حدثنا عمرو بن قيس الملائي ، قال : إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله أحسن صورة ، وأطيبها ريحا ، فيقول : هل تعرفني ؟ فيقول : لا إلا أن طيب ريحك وحسّن صورتك ، فيقول : كذلك كنت في الدنيا أنا عملك الصالح طالما ركبتك في الدنيا ، فاركبني أنت اليوم ، وتلا : يَوْمَ نَحْشُرُ المُتّقِينَ إلى الرّحْمَنِ وَفْدا .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة إلى الرّحْمَنِ وَفْدا قال : وفدا إلى الجنة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، في قوله : يَوْمَ نَحْشُرُ المُتّقِينَ إلى الرّحْمَنِ وَفْدا قال : على النجائب .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : سمعت سفيان الثوري يقول : يَوْمَ نَحْشُرُ المُتّقِينَ إلى الرّحْمَنِ وَفْدا قال : على الإبل النوق .
إتمام لإثبات قلة غَناء آلهتهم عنهم تبعاً لقوله : { ويكونون عليهم ضداً } [ مريم : 82 ] .
فجملة : { لا يملكون الشّفاعة } هو مبدأ الكلام ، وهو بيان لجملة : { ويكونون عليهم ضداً } .
والظرف وما أضيف الظرف إليه إدماجٌ بينت به كرامة المؤمنين وإهانة الكافرين . وفي ضمنه زيادة بيان لجملة { ويكونون عليهم ضداً } بأنهم كانوا سبب سَوقهم إلى جهنم ورداً ومخالفتهم لحال المؤمنين في ذلك المشهد العظيم . فالظرف متعلّق ب { يملكون } وضمير { لا يملكون } عائد للآلهة . والمعنى : لا يقدرون على أن ينفعوا من اتخذوهم آلهة ليكونوا لهم عزّاً .
والحشر : الجمع مطلقاً ، يكون في الخير كما هنا ، وفي الشرّ كقوله : { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم } [ الصافات : 22 ، 23 ] ، ولذلك أتبع فعل { نحشر } بقيد { وَفداً } ، أي حَشْر الوفود إلى الملوك ، فإن الوفود يكونون مُكرمين ، وكانت لملوك العرب وكرمائهم وفود في أوقات ، ولأعيان العرب وفادات سنويّة على ملوكهم وسادتهم ، ولكلّ قبيلة وفادة ، وفي المثل : « إن الشّقِيّ وافد البراجم » . وقد اتّبع العرب هذه السنّة فوفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم لأنّه أشرف السادة . وسنةُ الوفود هي سنة تسع من الهجرة تلت فتحَ مكة بعموم الإسلام بلاد العرب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.