الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَوۡمَ نَحۡشُرُ ٱلۡمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحۡمَٰنِ وَفۡدٗا} (85)

ثم قال تعالى : /{ يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا }[ 86 ] .

التقدير : إنما نعد أعمالهم لنجازيهم عليها يوم نحشر المتقين .

فالعامل{[44716]} في ( يوم ) ما دل عليه الكلام الأول وهو ( نجازيهم ) يوم كذا .

ومعنى الآية : يوم يجمع الله الذين اتقوا في الدنيا ، وخافوا عقابه إلى جزاء الرحمن ووعده .

( وفدا ) هو بمعنى جمع وافد ، ونصبه على الحال ، ووحد لأنه مصدر ، ( والوفد ) : الركبان .

قال علي رضي الله عنه : اما والله ما يحشر الوفد على أرجلهم ، ولا يساقون سوقا ، ولكنهم{[44717]} يوتون بنوق ، لم تر الخلائق مثلها ، عليها رحال الذهب ، أزمتها الزبرجد ، فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة{[44718]} .

وقال أبو هريرة : ( وفدا ) على الإبل{[44719]} .

وروى محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال{[44720]} : " يبعث الله الأنبياء يوم القيامة إذا حشروا ، على الدواب ، ويبعث صالح نبي الله على ناقته ، حتى يوافوا بالمؤمنين من أصحابهم المحشر ، ويبعث أبنائي الحسن والحسين{[44721]} على ناقتي العضباء{[44722]} والقصواء{[44723]} وأبعث أنا على البراق ، وخطوها عند أقصى طرفها . ويبعث بلال{[44724]} على ناقة من نوق الجنة ، ينادي بالأذان ، غضا ، حتى إذا بلغ{[44725]} . أشهد أن محمدا رسول الله ، شهد بها جميع الخلائق من المؤمنين والكافرين ، فيقبل ذلك من المؤمنين ، ويرد على غيرهم من أهل الشك{[44726]} والتكذيب .

وقيل{[44727]} : معنى ( وفدا ) أي : وافدين على ما تحبون . من كان يحب ركوب الخيل ، وفد على الله على خيل لا تروث ، ولا تبول ، لجمها من الياقوت الأحمر ، ومن الزبرجد الأخضر ومن الدر الأبيض ، وسرجها من السندس والاستبرق . ومن كان يحب الإبل ، فعلى نجائب لا تبعر ولا تبول ، أزمتها الياقوت والزبرجد ، ومن كان يحب السفن ، فعلى سفن من زبرجد أخضر ، وأمواج مثل ما بين السماء والأرض قد أمنوا الغرق والأهوال .

وروى{[44728]} عمرو بن قيس الملائي{[44729]} أن المؤمن إذا خرج من قبره ، استقبله أحسن صورة أطيبه ريحا . فيقول : هل تعرفني ؟ فيقول : لا ، إلا أن الله عز وجل قد طيب ريحك ، وحسن صورتك ، فيقول : كذلك كنت في الدنيا ، أنا عملك الصالح ، طالما ركبتك ، فاركبني أنت اليوم ، وتلا { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا }{[44730]} .

قال قتادة : ( وفدا ) إلى الجنة{[44731]} .

وقال ابن جريج : على النجائب{[44732]} .

وقال الثوري : على الإبل والنوق{[44733]} .

وفي هذا الخبر إيماء إلى الجزاء والثواب ، لأن الوفد هم الواردون على الملوك ، المنظرون العطاء والبر والإكرام منهم .

ورويَ{[44734]} أن المؤمن يستقبله عند خروجه من قبره أحسن صورة رآها{[44735]} وأطيبه ريحا ، فيقول : من أنت ؟ {[44736]} فيقول : أما تعرفني ؟ فيقول لا ، إلا أن الله تبارك وتعالى [ قد ]{[44737]} طيب ريحك ، وحسن وجهك{[44738]} ، فيقول : أنا عملك الصالح ، هكذا كنت في الدنيا حسن العمل ، طيبه ، فطالما ركبتك في الدنيا ، فهلم اركبني . فذلك قوله تعالى : { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا }قال : ويستقبل الكافر أو{[44739]} قال الفاجر عند خروجه من قبره أقبح صورة رآها ، وأنتنها ريحا فيقول : من أنت ؟ فيقول : أما تعرفني ؟ فيقول : لا ، إلا أن الله تبارك وتعالى قد قبح وجهك ، وأنتن ريحك . فيقول : أنا عملك الخبيث ، هكذا كنت في الدنيا خبيث العمل منتنه ، فطالما ركبتني في الدنيا فهلم أركبك ، فيركبه ، فذلك قوله تعالى : { وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم }{[44740]} .


[44716]:ز: والعامل.
[44717]:ز: ولكن.
[44718]:انظر: جامع البيان 16/126 وتفسير ابن كثير 3/137 والدر المنثور 4/285.
[44719]:انظر: جامع البيان 16/127 والدر المنثور 4/284 وتفسير القرطبي 11/152.
[44720]:الحديث في كنز العمال (رقم 33689) وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة برقم 771 وقال بأنه موضوع. ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه 3/140-141.
[44721]:الحسن والحسين ابنا علي بن أبي طالب، وأمهما فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر: طبقات ابن خياط: 5.
[44722]:العضباء: اسم لناقة النبي صلى الله عليه وسلم اللسان: (عضب).
[44723]:القصواء: لقب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم انظر: اللسان: (قصا).
[44724]:هو بلال بن رباح، مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مولى أبي بكر الصديق (ت 21 هـ). انظر: طبقات ابن خياط: 19 والرياض المستطابة: 38.
[44725]:في ز زيادة أشهد أن لا إله إلا الله بعد، (إذا بلغ).
[44726]:ز: الشرك.
[44727]:القول لابن عباس في تفسير القرطبي 11/151.
[44728]:ز: روي عن.
[44729]:هو عمرو بن قيس الملائي، من كبار الكوفيين. انظر: ترجمته في تاريخ الثقات 368 وتهذيب التهذيب 8/92.
[44730]:انظر: جامع البيان 16/127 وتفسير القرطبي 11/151 وتفسير ابن كثير 3/137.
[44731]:انظر: جامع البيان 6/127 والدر المنثور 4/284.
[44732]:انظر: جامع البيان 16/127 وتفسير القرطبي 11/151 وتفسير ابن كثير 3/137.
[44733]:انظر: جامع البيان 16/127 وتفسير ابن كثير 3/137.
[44734]:وهو نفس الأثر السابق عن عمرو بنت قيس الملائي. وهنا تتمة له.
[44735]:رآها سقطت من ز,
[44736]:فيقول: من أنت سقط من ز.
[44737]:زيادة من ز.
[44738]:ز: صورتك.
[44739]:(و) عوض (أو) وهو تحريف.
[44740]:الأنعام: آية 32.