ثم سلَّى رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال : { فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك } أي : هذه عادة الظالمين ، ودأبهم الكفر بالله ، وتكذيب رسل الله وليس تكذيبهم لرسل الله ، عن قصور ما أتوا به ، أو عدم تبين حجة ، بل قد { جاءوا بالبينات } أي : الحجج العقلية ، والبراهين النقلية ، { والزبر } أي : الكتب المزبورة المنزلة من السماء ، التي لا يمكن أن يأتي بها غير الرسل .
{ والكتاب المنير } للأحكام الشرعية ، وبيان ما اشتملت عليه من المحاسن العقلية ، ومنير أيضا للأخبار الصادقة ، فإذا كان هذا عادتهم في عدم الإيمان بالرسل ، الذين هذا وصفهم ، فلا يحزنك أمرهم ، ولا يهمنك شأنهم .
{ فَإِن كَذّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ جَآءُوا بِالْبَيّنَاتِ وَالزّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ } .
وهذا تعزية من الله جلّ ثناؤه نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على الأذى الذي كان يناله من اليهود وأهل الشرك بالله من سائر أهل الملل . يقول الله تعالى له : لا يحزنك يا محمد كذب هؤلاء الذين قالوا : إن الله فقير ، وقالوا : إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار ، وافتراؤهم على ربهم اغترارا بإمهال الله إياهم ، ولا يعظمنّ عليك تكذيبهم إياك ، وادّعاؤهم الأباطيل من عهود الله إليهم ، فإنهم إن فعلوا ذلك بك فكذّبوك ، كذبوا على الله ، فقد كذبت أسلافهم من رسل الله قبلك من جاءهم بالحجج القاطعة العذر ، والأدلة الباهرة العقل ، والاَيات المعجزة الخلق ، وذلك هو البينات . وأما الزبر : فإنه جمع زبور : وهو الكتاب ، وكل كتاب فهو زبور ، ومنه قول امرىء القيس :
لَمِنْ طَلَلٌ أبْصَرْتُهُ فَشَجانِي *** كَخَطّ زَبُورٍ فِي عَسِيبِ يَمَانِي
ويعني بالكتاب : التوراة والإنجيل ، وذلك أن اليهود كذّبت عيسى وما جاء به وحرّفت ما جاء به موسى عليه السلام من صفة محمد صلى الله عليه وسلم ، وبدلت عهده إليهم فيه ، وأن النصارى جحدت ما في الإنجيل من نعته وغيرت ما أمرهم به في أمره .
وأما قوله : { المُنِيرِ } فإنه يعني : الذي ينير فيبين الحقّ لمن التبس عليه ويوضحه ، وإنما هو من النور والإضاءة ، يقال : قد أنار لك هذا الأمر ، بمعنى : أضاء لك وتبين ، فهو ينير إنارة ، والشيء المنير . وقد :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك : { فإنْ كَذّبوكَ فَقَدْ كُذّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ } قال : يعزّى نبيه صلى الله عليه وسلم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { فإنْ كَذّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ } قال : يعزّي نبيه صلى الله عليه وسلم .
وهذا الحرف في مصاحف أهل الحجاز والعراق : «والزّبُرِ » بغير باء ، وهو في مصاحف أهل الشام : «وبالزبر » بالباء مثل الذي في سورة فاطر .
{ فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاؤوا بالبينات والزبر والكتاب المنير } تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم من تكذيب قومه واليهود ، والزبر جمع زبور وهو الكتاب المقصور على الحكم من زبرت الشيء إذا حسبته ، والكتاب في عرف القرآن ما يتضمن الشرائع والأحكام ولذلك جاء الكتاب والحكمة متعاطفين في عامة القرآن . وقيل الزبر المواعظ والزواجر ، من زبرته إذا زجرته . وقرأ ابن عامر وبالزبر وهشام وبالكتاب بإعادة الجار للدلالة على أنها مغايرة للبينات بالذات .
ثم آنس تعالى نبيه بالأسوة والقدوة فيمن تقدم من الأنبياء أي : فلا يعظم عليك ذلك ، وقرأ ابن عامر : و «بالزبر » : بإعادة باء الجر ، وسقوطها على قراءة الجمهور متجه ، لأن الواو شركت الزبر في الباء الأولى فاستغني عن إعادة الباء ، وإعادتها أيضاً متجهة لأجل التأكيد ، وكذلك ثبتت في مصاحف أهل الشام ، وروي أيضاً عن ابن عامر إعادة الباء في قوله : «وبالكتاب المنير » و { الزبر } : الكتاب المكتوب يقال : زبرت الكتاب إذا كتبته ، وزبرته إذا قرأته{[3756]} ، والشاهد لأنه الكتاب قول امرىء القيس : [ الطويل ]
لِمَنْ طَلَلٌ أبْصَرْتُهُ فَشَجَاني . . . كَخَطِّ زَبورٍ في عَسِيبِ يَماني{[3757]} ؟
وقال الزجّاج : زبرت كتبت ، وذبرت بالذال ، قرأت ، و «المنير » : وزنه مفعل من النور أي سطع نوره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.