الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَ جَآءُو بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُنِيرِ} (184)

قوله تعالى : { فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ } : ليس جواباً للشرط ، بل الجوابُ محذوفٌ أي : فَتَسَلَّ " ونحوُه ، لأنَّ هذا قد مَضَى وتحقَّق ، وفيه كلامٌ طويلٌ تقدَّم لك نظيرُه . والجملةُ من " جاؤوا " في محلِّ رفعِ صفة ل " رُسُل " و " من قبلك " متعلقٌّ ب " كُذِّبَ " . والباءُ في " بالبينات " تحتملُ الوجهين كنظيرتِها .

وقرأ جمهورُ الناس : " والزبرِ و الكتابِ " مِنْ غيرِ ذكرِ باء الجر ، وقرأ ابنُ عامر : " وبالزبرِ " بإعادتها ، وهشامٌ وحدَه عنه : " وبالكتاب " بإعادتها أيضاً ، وهي في مصاحف الشاميين كقراءة ابن عامر رحمه الله . والخَطْبُ فيه سهلٌ ، فَمَنْ لم يأتِ بها اكتفى بالعطف ، ومَنْ أتى بها كان ذلك تأكيداً/ .

والزُّبُر : جمع زَبُور بالفتح ، ويقال : زُبور بالضم أيضاً ، وهل هما بمعنىً واحد أو مختلفان ؟ سيأتي الكلامُ عليهما في قوله : { وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً }

[ الآية : 163 ] في النساء .

واشتقاقُ اللفظةِ من " زَبَرْتُ " أي : كَتَبْتُ ، وزَبَرْتُه قرأتُه ، وزَبَرْتُه : حَسَّنْتُ كتابتَه ، وزَبَرْتُه : زجرته ، فَزَبور بالفتح فَعُول بمعنى مَفْعول كالرَّكوب بمعنى المركوبِ ، و الحَلوب بمعنى المَحْلوب ، قال امرؤ القيس :

لِمَنْ طَلَلٌ أبصرْتُه فشَجاني *** كخَطِّ زَبورٍ في عَسيبِ يماني

وقيل : اشتقاقُ اللفظِ من الزُّبْرَة ، وهي قطعة الحديد المتروكة بحالها . و " المنير " اسم فاعل من أنار أي : أضاء .