البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَ جَآءُو بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُنِيرِ} (184)

الزبر : جمع زبور ، وهو الكتاب .

يقال : زبرت أي كتبت ، فهو بمعنى مفعول أي : مزبور ، كالركوب بمعنى المركوب .

وقال امرؤ القيس :

لمن طلل أبصرته فشجاني *** كخط زبور في عسيب يمان

ويقال : زبرته قرأته ، وزبرته حسنته ، وتزبرته زجرته .

وقيل : اشتقاق الزبور من الزبرة ، وهي القطعة من الحديد التي تركت بحالها .

{ فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير } الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وذلك على سبيل التسلية لما ظهر كذبهم على الله بذكر العهد الذي افتروه ، وكان في ضمنه تكذيبه إذ علقوا الإيمان به على شيء مقترح منهم على سبيل التعنت ، ولم يجبهم الله لذلك ، فسلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأن هذا دأبهم ، وسبق منهم تكذيبهم لرسل جاءوا بما يوجب الإيمان من ظهور المعجزات الواضحة الدلالة على صدقهم ، وبالكتب السماوية الإلهية النيرة المزيلة لظلم الشبه .

والزبر : جمع زبور ، وهو الكتاب سمي بذلك قيل : لأنه مكتوب ، إذ يقال : زبره كتبه .

أو لكونه زاجراً من زبره زجره ، وبه سمي كتاب داود زبوراً لكثرة ما فيه من الزواجر والمواعظ ، أو لأحكامه .

والزبر : الأحكام .

وقال الزجاج : الزبور كل كتاب فيه حكمة .

قيل : والكتاب هو الزبر .

وجمع بين اللفظين على سبيل التأكيد ، أو لاختلاف معنييهما ، مع أن المراد واحد ، ولكن اختلف معنياهما من حيث الصفة .

وقيل : الكتاب هنا جنس للتوراة والإنجيل وغيرهما ، ويحتمل أن يراد بقوله : والزبر الزواجر من غير أن يراد به الكتب .

أي : جاؤوا بالمعجزات الواضحة والتخويفات والكتب النيرة .

وجواب الشرط محذوف لدلالة الكلام عليه التقدير : وإن يكذبوك فتسلّ به .

ولا يمكن أن يكون فقد كذب رسل الجواب لمضيه ، إذ جواب الشرط مستقبل لا محالة لترتبه على المستقبل ، وما يوجد في كلام المعربين أنَّ مثل هذا من الماضي هو جواب الشرط ، فهو على سبيل التسامح لا الحقيقة .

وبنى الفعل للمفعول لأنه لم يقتصر في تكذيب الرسل على تكذيب اليهود وحدهم لأنبيائهم ، بل نبه على أنَّ من عادة اليهود وغيرهم من الأمم تكذيب الأنبياء ، فكان المعنى : فقد كذبت أمم من اليهود وغيرهم الرسل .

قيل : ونكر رسل لكثرتهم وشياعهم .

ومن قبلك : متعلق بكذب ، والجملة من قوله : جاؤوا في موضع الصفة لرسل انتهى .

والباء في بالبينات تحتمل الحال والتعدية ، أي : جاؤوا أممهم مصحوبين بالبينات ، أو جاؤوا البينات .

وقرأ الجمهور : والزبر .

وقرأ ابن عامر : وبالزبر ، وكذا هي في مصاحف أهل الشأم .

وقرأ هشام بخلاف عنه وبالكتاب .

وقرأ الجمهور : والكتاب .

وإعادة حرف الجر في العطف هو على سبيل التأكيد .

وكان ذكر الكتاب مفرداً وإنَّ كان مجموعاً من حيث المعنى لتناسب الفواصل ، ولم يلحظ فيه أن يجمع كالمعطوف عليهما لذلك .

/خ185