{ وَأَوْرَثَكُمْ } أي : غنَّمكم { أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا } أي : أرضا كانت من قبل ، من شرفها وعزتها عند أهلها ، لا تتمكنون من وطئها ، فمكنكم اللّه وخذلهم ، وغنمتم أموالهم ، وقتلتموهم ، وأسرتموهم .
{ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا } لا يعجزه شيء ، ومن قدرته ، قدَّر لكم ما قدر .
وكانت هذه الطائفة من أهل الكتاب ، هم بنو قريظة من اليهود ، في قرية خارج المدينة ، غير بعيدة ، وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم ، [ حين ]{[1]} هاجر إلى المدينة ، وادعهم ، وهادنهم ، فلم يقاتلهم ولم يقاتلوه ، وهم باقون على دينهم ، لم يغير عليهم شيئًا .
فلما رأوا يوم الخندق ، الأحزاب الذين تحزبوا على رسول اللّه وكثرتهم ، وقلة المسلمين ، وظنوا أنهم سيستأصلون الرسول والمؤمنين ، وساعد على ذلك ، [ تدجيل ]{[2]} بعض رؤسائهم عليهم ، فنقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ومالؤوا المشركين على قتاله .
فلما خذل اللّه المشركين ، تفرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، لقتالهم ، فحاصرهم في حصنهم ، فنزلوا على حكم سعد بن معاذ رضي اللّه عنه ، فحكم فيهم ، أن تقتل مقاتلتهم ، وتسبى ذراريهم ، وتغنم أموالهم .
فأتم اللّه لرسوله والمؤمنين ، المنة ، وأسبغ عليهم النعمة ، وأَقَرَّ أعينهم ، بخذلان من انخذل من أعدائهم ، وقتل من قتلوا ، وأسر من أسروا ، ولم يزل لطف اللّه بعباده المؤمنين مستمرًا .
{ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ } أى : وأورثكم الله - تعالى - أرض هؤلاء اليهود وزروعهم كما أورثكم { وَدِيَارَهُمْ } أى حصونهم { وَأَمْوَالَهُمْ } التى تركوها من خلقهم ، كنقودهم ومواشيهم .
كما أورثكم { وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَ } بعد يقصد القتال وهى أرض خيبر ، أو أرض فارس والروم .
وفى هذه الجملة الكريمة { وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا } بشارة عظيمة للمؤمنين ، بأن الله - تعالى - سينصرهم على أعدائهم .
{ وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } لأنه - سبحانه - لا يعزه شئ .
أخرج الشيخان عن عائشة - رضى الله عنها - قالت : " لما رجع النبى صلى الله عليه وسلم من الخندق ، وضع السلاح واغتسل ، أتاء جبريل فقال : يا محمد قد وضعت السلاح ، والله ما وضعناه فاخرج إليهم فقال النبى صلى الله عليه وسلم : فإلى أين ؟ قال : ها هنا . وأشار إلى بنى قريظة . فخرج النبى صلى الله عليه وسلم إليهم " .
وعن ابن عمر - رضى الله عنهما - قال : " قال النبى - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب ، لا يصلين أحد العصر إلا فى بنى قريظة ، فأدرك بعضهم العصر فى الطريق ، فقال بعضهم : لا نصلى حتى نأتيها ، وقال بعضهم : بل نصلى ، فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فلم يعنف أحدا .
وبعد أن حاصر المسلمون بنى قريظة خمسا وعشرين ليلة ، نزلوا بعدها على حكم سعد بن معاذ - رضى الله عنه - فحكم بقتل رجالهم ، وتقسيم أموالهم ، وسبى نسائهم وذراريهم .
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم له : " لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات " " .
وإلى هنا نجد السورة الكريمة قد حدثتنا حديثا جامعا حكيما عن غزوة الأحزاب ، فقد ذركت المؤمنين - أولا - بنعم الله - تعالى - عليهم ، ثم صورت أحوالهم عندما أحاطت بهم جيوش الأحزاب من فوقهم ومن أسفل منهم .
ثم حكت ما قاله المنافقون فى تلك الساعات العصبية ، وما أشاروا به على أشباههم فى النفاق ، وما اعتذروا به من أعذار باطلة ، وما جبلوا عليه من أخلاق قبيحة ، على رأسها الجبن والخور وضعف العزيمة وفساد النية .
ثم انتقلت إلى الحديث عن المواقف المشرقة الكريمة التى وقفها المؤمنون الصادقون عندما رأوا الأحزاب ، وكيف أنهم ازدادوا إيمانا على إيمانهم ، ووفوا بعهودهم مع الله - تعالى - دون أن يبدلوا تبديلا .
وكا بدئت الآيات بتذكير المؤمنين بنعم الله - تعالى - عليهم ، ختمت - أيضا - بهذا التذكير حيث رد الله أعداءهم عنهم دون أن ينالوا خيرا ، ومكنهم من معاقبة الغادرين من اليهود .
وقوله { وأورثكم } استعارة من حيث حصل ذلك لهم بعد موت الآخرين من قبلهم ، وقوله { وأرضاً لم تطؤوها } ، يريد بها البلاد التي فتحت على المسلمين بعد كالعراق والشام ومكة فوعد الله تعالى بها عند فتح حصون بني قريظة وأخبر أنه قد قضى بذلك قاله عكرمة ، وذكر الطبري عن فرق أنهم خصصوا ذلك ، فقال الحسن بن أبي الحسن : أراد الروم وفارس ، وقال قتادة : كنا نتحدث أنها مكة ، وقال يزيد بن رومان ومقاتل وابن زيد : هي خيبر ، وقالت فرقة اليمن .
قال الفقيه الإمام القاضي : ولا وجه لتخصيص شيء من ذلك دون شيء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.