قوله تعالى : { الملك يومئذ الحق للرحمن } أي : الملك الذي هو الملك الحق حقاً ، ملك الرحمن يوم القيامة . قال ابن عباس : يريد أن يوم القيامة لا ملك يقضى غيره . { وكان يوماً على الكافرين عسيراً } شديداً ، فهذا الخطاب يدل على أنه لا يكون على المؤمن عسيراً ، وجاء في الحديث : " أنه يهون يوم القيامة على المؤمنين حتى يكون عليهم أخف من صلاة مكتوبة صلوها في الدنيا " .
وقوله : { الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ } أي : يوم القيامة { الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ } لا يبقى لأحد من المخلوقين ملك ولا صورة ملك ، كما كانوا في الدنيا ، بل قد تساوت الملوك ورعاياهم والأحرار والعبيد والأشراف وغيرهم ، ومما يرتاح له القلب ، وتطمئن به النفس وينشرح له الصدر أن أضاف الملك في يوم القيامة لاسمه . " الرحمن " الذي وسعت رحمته كل شيء وعمت كل حي وملأت الكائنات وعمرت بها الدنيا والآخرة ، وتم بها كل ناقص وزال بها كل نقص ، وغلبت الأسماء الدالة عليه الأسماء الدالة على الغضب وسبقت رحمته غضبه وغلبته ، فلها السبق والغلبة ، وخلق هذا الآدمي الضعيف وشرفه وكرمه ليتم عليه نعمته ، وليتغمده برحمته ، وقد حضروا في موقف الذل والخضوع والاستكانة بين يديه ينتظرون ما يحكم فيهم وما يجري عليهم وهو أرحم بهم من أنفسهم ووالديهم فما ظنك بما يعاملهم به ، ولا يهلك على الله إلا هالك ولا يخرج من رحمته إلا من غلبت عليه الشقاوة وحقت عليه كلمة العذاب .
وقوله - تعالى - : { الملك يَوْمَئِذٍ الحق للرحمن وَكَانَ يَوْماً عَلَى الكافرين عَسِيراً
لفظ " الملك " مبتدأ ، و " يومئذ " ظرف للمبتدأ و " الحق " نعت له و " للرحمن " خبره .
أى : الملك الثابت الذى لا يزول ، ولا يشاركه فيه أحد للرحمن يومئذ ، وكان هذا اليوم عسيرا على الكافرين ، لشدة الهول والعذاب الذى يقع عليهم فيه .
وخص - سبحانه - ثبوت الملك له فى هذا اليوم بالذكر ، مع أنه - تعالى - هو المالك لهذا الكون فى هذا اليوم وفى غيره ، للرد على الكافرين الذين زعموا أن أصنامهم ستشفع لهم يوم القيامة ، ولبيان أن ملك غيره - سبحانه - فى الدنيا . إنما هو ملك صورى زائل ، أما الملك الثابت الحقيقى فهو الله الواحد القهار .
قال ابن كثير : وفى الصحيح " أن الله يطوى السموات بيمينه ، ويأخذ الأرض بيده الأخرى ثم يقول : أنا الملك . أنا الديان . أين ملوك الأرض أين الجبارون . أين المتكبرون " .
ثم قرّر أن «الملك الحق هو يومئذ للرحمن » ، إذ قد بطل في ذلك اليوم كل ملك وعسره { على الكافرين } توجه بدخول النار عليهم فيه وما في خلال ذلك من المخاوف ، وقوله : { على الكافرين } دليله ، أن ذلك اليوم سهل على المؤمنين . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إن الله ليهون القيامة على المؤمنين حتى يكزن أخف عليهم من صلاة مكتوبة صلوها »{[8817]} .
قوله : { الملك يومئذٍ } هو صدر الجملة المعطوفة فيتعلق به { يَومَ تشقق السماء بالغمام } ، وإنما قدم عليه للوجه المذكور في تقديم قوله : { يَوْم يَرَوْن الملائكة } [ الفرقان : 22 ] وكذلك القول في تكرير { يومئذ } .
و { الحق } : الخالص ، كقولك : هذا ذهب حقّاً . وهو المُلك الظاهر أنه لا يماثله مُلك ، لأن حالة الملك في الدنيا متفاوتة . والمُلك الكامل إنما هو لله ، ولكن العقول قد لا تلتفت إلى ما في الملوك من نقص وعجز وتَبهرهم بهرجة تصرفاتهم وعطاياهم فينسون الحقائق ، فأما في ذلك اليوم فالحقائق منكشفة وليس ثمة من يدّعي شيئاً من التصرف ، وفي الحديث : « ثم يقول الله : أنا المَلِكُ أيْن ملوكُ الأرض »
ووصف اليوم بعسير باعتبار ما فيه من أمور عسيرة على المشركين .
وتقديم { على الكافرين } للحصر . وهو قصر إضافي ، أي دون المؤمنين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.