مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ٱلۡمُلۡكُ يَوۡمَئِذٍ ٱلۡحَقُّ لِلرَّحۡمَٰنِۚ وَكَانَ يَوۡمًا عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ عَسِيرٗا} (26)

الصفة الثانية لذلك اليوم : قوله : { الملك يومئذ الحق للرحمان } قال الزجاج الحق صفة للملك وتقديره الملك الحق يومئذ للرحمان ، ويجوز الحق بالنصب على تقدير أعني ولم يقرأ به ، ومعنى وصفه بكونه حقا أنه لا يزول ولا يتغير ، فإن قيل مثل هذا الملك لم يكن قط إلا للرحمان فما الفائدة في قوله { يومئذ } ؟ قلنا : لأن في ذلك اليوم لا مالك سواه لا في الصورة ولا في المعنى ، فتخضع له الملوك وتعنو له الوجوه وتذل له الجبابرة بخلاف سائر الأيام ، واعلم أن هذه الآية دالة على فساد قول المعتزلة في أنه يجب على الله الثواب والعوض وذلك لأنه لو وجب لاستحق الذم بتركه فكان خائفا من أن لا يفعل فلم يكن ملكا مطلقا . وأيضا فقوله : { الملك يومئذ الحق للرحمان } يفيد أنه ليس لغيره ملك وذلك لا يتم على قول المعتزلة ، لأن كل من استحق عليه شيئا فإنه يكون مالكا له ، ولا يكون هو سبحانه مالكا لذلك المستحق ، لأنه سبحانه إذا استحق على أحد شيئا أمكنه أن يعفو عنه ، أما غيره إذا استحق عليه شيئا فإنه لا يصح إبراؤه عنه ، فكانت العبودية ههنا أتم ، ولأن من كفر بالله إلى آخر عمره ثم في آخر عمره عرف الله لحظة ومات فهو سبحانه لو أعطاه ألف ألف سنة أنواع الثواب وأراد بعد ذلك أن لا يعطيه لحظة واحدة صار سفيها ، وهذا نهاية العبودية والذل فكيف يليق بمن هذا حاله أن يقال له : { الملك يومئذ الحق للرحمان } وأيضا فكل من فعل فعلا لو لم يفعله لكان مستوجبا للذم وكان بذلك الفعل مكتسبا للكمال وبتركه مكتسبا للنقصان فلم يكن ملكا بل فقيرا مستحقا ، فثبت أن قوله سبحانه : { الملك يومئذ الحق للرحمان } غير لائق بأصول المعتزلة .

الصفة الثالثة : قوله : { وكان يوما على الكافرين عسيرا } فالمعنى ظاهر لأنه تعالى عالم بالأحوال قادر على كل ما يريده . وأما غيره فالكل في ربقة العجز ولجام القهر ، فكان في نهاية العسر على الكافر .