قوله تعالى : { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت } أي ملك { كل شيء وإليه ترجعون } .
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أنبأنا أبو الطاهر الزيادي ، أنبأنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ، حدثنا عن علي بن الحسين الدار ابجردي ، حدثنا عبد الله بن عثمان ، أخبرنا عبد الله بن المبارك ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، وليس بالنهدي عن معقل بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقرؤوا على موتاكم سورة يس " ورواه محمد بن العلاء عن ابن المبارك ، وقال : عن أبي عثمان وليس بالنهدي عن أبيه عن معقل بن يسار .
{ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } وهذا دليل سادس ، فإنه تعالى هو الملك المالك لكل شيء ، الذي جميع ما سكن في العالم العلوي والسفلي ملك له ، وعبيد مسخرون ومدبرون ، يتصرف فيهم بأقداره الحكمية ، وأحكامه الشرعية ، وأحكامه الجزائية .
فإعادته إياهم بعد موتهم ، لينفذ فيهم حكم الجزاء ، من تمام ملكه ، ولهذا قال : { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } من غير امتراء ولا شك ، لتواتر البراهين القاطعة والأدلة الساطعة على ذلك . فتبارك الذي جعل في كلامه الهدى والشفاء والنور .
وقوله : { فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي : تنزيه وتقديس وتبرئة من السوء للحي القيوم ، الذي بيده مقاليد السموات والأرض ، وإليه يرجع الأمر كله ، وله الخلق والأمر ، وإليه ترجع العباد يوم القيامة ، فيجازي كل عامل بعمله ، وهو العادل المتفضل .
ومعنى قوله : { فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } كقوله عز وجل : { قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } [ المؤمنون : 88 ] ، {[24894]} وكقوله تعالى : { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ } [ الملك : 1 ] ، فالملك والملكوت واحد في المعنى ، كرحمة ورَحَمُوت ، ورَهْبَة ورَهَبُوت ، وجَبْر وجَبَرُوت . ومن الناس من زعم أن المُلْك هو عالم الأجساد{[24895]} والملكوت هو عالم الأرواح ، والأول هو الصحيح ، وهو الذي عليه الجمهور من المفسرين وغيرهم .
قال{[24896]} الإمام أحمد : حدثنا حماد ، عن عبد الملك بن عمير ، حدثني ابن عم لحذيفة ، عن حذيفة - وهو ابن اليمان - رضي الله عنه ، قال : قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فقرأ السبع الطُّوَل{[24897]} في سبع ركعات ، وكان إذا رفع رأسه من الركوع قال : «سمع الله لمن حمده » . ثم قال : «الحمد لذي{[24898]} ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة » وكان ركوعه مثل قيامه ، وسجوده مثل ركوعه ، فأنصرف وقد كادت تنكسر رجلاي . {[24899]}
وقد روى أبو داود ، والترمذي في الشمائل ، والنسائي ، من حديث شعبة ، عن عمرو بن مُرة ، عن أبي حَمْزة - مولى الأنصار - عن رجل من بني عَبْس ، عن حذيفة ؛ أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل ، وكان يقول : «الله أكبر - ثلاثًا - ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة » . ثم استفتح فقرأ البقرة ، ثم ركع فكان ركوعه نحوا من قيامه ، وكان يقول في ركوعه : «سبحان ربي العظيم » . ثم رفع رأسه من الركوع ، فكان قيامه نحوا من ] ركوعه ، يقول : «لربي الحمد » . ثم سجد ، فكان سجوده نحوا من ]{[24900]} قيامه ، وكان يقول في سجوده : " سبحان ربي الأعلى " . ثم رفع رأسه من السجود ، وكان يقعد فيما بين السجدتين نحوا من سجوده ، وكان يقول : " رب ، اغفر لي ، رب اغفر لي " . فصلى أربع ركعات ، فقرأ فيهن البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والمائدة - أو الأنعام{[24901]} - - شك شعبة - هذا لفظ أبي داود . {[24902]}
وقال النسائي : " أبو حمزة عندنا : طلحة بن يزيد ، وهذا الرجل يشبه أن يكون صلة " . كذا قال . والأشبه أن يكون ابن عم حذيفة ، كما تقدم في رواية الإمام أحمد ، [ والله أعلم ] . {[24903]} فأما رواية صلة بن زفر ، عن حذيفة ، فإنها في صحيح مسلم ، ولكن ليس فيها ذكر الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة .
وقال{[24904]} أبو داود : حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب ، حدثني معاوية بن صالح ، عن عمرو بن قيس ، عن عاصم بن حُمَيْد ، عن عوف بن مالك الأشجعي قال : قمتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة ، لا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل ، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوّذ . قال : ثم ركع بقدر قيامه ، يقول في ركوعه : " سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة " . ثم سجد بقدر قيامه ، ثم قال في سجوده مثل ذلك ، ثم قام فقرأ بآل عمران ، ثم قرأ سورة سورة .
ورواه الترمذي في الشمائل ، والنسائي ، من حديث معاوية بن صالح ، به . {[24905]}
[ آخر تفسير سورة " يس " ولله الحمد أولا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا ]{[24906]}
ثم نزه تعالى نفسه تنزيهاً عاماً مطلقاً ، وقرأ جمهور الناس «ملكوت »{[3]} ، وقرأ طلحة التيمي والأعمش «ملَكة »{[4]} بفتح اللام ومعناه ضبط كل شيء والقدرة عليه ، وباقي الآية بين .