فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ } فلم يأتوا بكتاب أهدى منهما { فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ } أي : فاعلم أن تركهم اتباعك ، ليسوا ذاهبين إلى حق يعرفونه ، ولا إلى هدى ، وإنما ذلك مجرد اتباع لأهوائهم . { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ } فهذا من أضل الناس ، حيث عرض عليه الهدى ، والصراط المستقيم ، الموصل إلى اللّه وإلى دار كرامته ، فلم يلتفت إليه ولم يقبل عليه ، ودعاه هواه إلى سلوك الطرق الموصلة إلى الهلاك والشقاء{[605]} فاتبعه وترك الهدى ، فهل أحد أضل ممن هذا وصفه ؟ " ولكن ظلمه وعدوانه ، وعدم محبته للحق ، هو الذي أوجب له : أن يبقى على ضلاله ولا يهديه اللّه ، فلهذا قال : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } أي : الذين صار الظلم لهم وصفا والعناد لهم نعتا ، جاءهم الهدى فرفضوه ، وعرض لهم الهوى ، فتبعوه ، سدوا على أنفسهم أبواب الهداية وطرقها ، وفتحوا عليهم أبواب الغواية وسبلها ، فهم في غيهم وظلمهم يعمهون ، وفي شقائهم وهلاكهم يترددون .
وفي قوله : { فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ } دليل على أن كل من لم يستجب للرسول ، وذهب إلى قول مخالف لقول الرسول ، فإنه لم يذهب إلى هدى ، وإنما ذهب إلى هوى .
وقوله - سبحانه - : { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ } زيادة فى تثبيت قلب النبى صلى الله عليه وسلم وتسليته عما أصابه منهم من أذى .
أى : فإن لم يفعلوا ما تحديتهم به ، من الإتيان بكتاب هو أهدى من الكتابين .
{ فاعلم } - أيها الرسول الكريم - { أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ } الباطلة ، وشهواتهم الزائفة ، عندما يجادلونك فى شئون دعوتك .
والاستفهام فى قوله : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتبع هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ الله . . } للنفى والإنكار .
أى : ولا أحد أضل ممن اتبع هواه وشيطانه ، دون أن تكون معه هداية من الله - تعالى - تهديه إلى طريق الحق ، لأن هذا الضال قد استحب العمى على الهدى . وآثر الغواية على الرشد .
وقوله - سبحانه - : { إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين } تذييل مبين لسنة الله - تعالى - فى خلقه .
أى : إنه - سبحانه - جرت سنته أن لا يهدى القوم الظالمين إلى طريق الحق بسبب إصرارهم على الباطل ، وتجاوزهم لكل حدود الحق والخير .
وهذه نهاية الإنصاف ، وغاية المطاولة بالحجة ، فمن لم يجنح إلى الحق بعد هذا فهو ذو الهوى المكابر ، الذي لا يستند إلى دليل :
( فإن لم يستجيبوا لك ، فاعلم أنما يتبعون أهواءهم . ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ? إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) . .
إن الحق في هذا القرآن لبين ؛ وإن حجة هذا الدين لواضحة ، فما يتخلف عنه أحد يعلمه إلا أن يكون الهوى هو الذي يصده . وإنهما لطريقان لا ثالث لهما : إما إخلاص للحق وخلوص من الهوى ، وعندئذ لا بد من الإيمان والتسليم . وإما مماراة في الحق واتباع للهوى فهو التكذيب والشقاق . ولا حجة من غموض في العقيدة ، أو ضعف في الحجة ، أو نقص في الدليل . كما يدعي أصحاب الهوى المغرضون .
( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ) . .
وهكذا جزما وقطعا . كلمة من الله لا راد لها ولا معقب عليها . . إن الذين لا يستجيبون لهذا الدين مغرضون غير معذورين . متجنون لا حجة لهم ولامعذرة ، متبعون للهوى ، معرضون عن الحق الواضح :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.