اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَإِن لَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيۡرِ هُدٗى مِّنَ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (50)

قوله : { فَإِن لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ } استجاب{[40511]} بمعنى أجاب ، قال ابن عباس : يريد فإن لم يؤمنوا بما جئت به من الحجج{[40512]} ، وقال مقاتل : فإن لم يمكنهم أن يأتوا بكتاب أفضل منهما ، وهذا أشبه بالآية{[40513]} ، قال الزمخشري : فإن قلت ما الفرق بين فعل الاستجابة في الآية وبينه في قوله :

4010 - فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ{[40514]} *** . . .

حيث عدِّي بغير لام{[40515]} ؟ قلت : هذا الفعل يتعدى إلى الدعاء بنفسه وإلى الداعي باللام ، ويحذف الدعاء إذا عُدِّي إلى الداعي في الغالب ، فيقال : استجاب الله دعاءه أو : استجاب به ، ولا يكاد يقال : استجاب له دعاءه ، وأما البيت فمعناه : فلم يستجب دعاءه على حذف المضاف{[40516]} . وقد تقدم تقرير هذا في البقرة{[40517]} ، وأنَّ استجاب بمعنى أجاب ، والبيت الذي أشار إليه هو :

4011 - وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يجِيبُ إلى النِّدَا *** فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ{[40518]}

والناس ينشدونه على تعدِّيه بنفسه ، فإن قيل : الاستجابة تقتضي دعاء ، فأين الدعاء هنا ؟ قيل : «فَأتُوا بِكِتَابٍ » أمر ، والأمر دعاء إلى الفعل{[40519]} ، وقال : { فاعلم أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ } أي صاروا ملتزمين طريقه ، ولم يبق شيء{[40520]} إلا اتباع الهوى ، ثم زيّف طريقهم بقوله : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتبع هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى } وهذا من أعظم الدلائل على فساد التقليد ، وأنه لا بد من الحجة والاستدلال{[40521]} { إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين } .


[40511]:في ب: فاستجاب.
[40512]:انظر الفخر الرازي 24/261.
[40513]:المرجع السابق.
[40514]:سيأتي تخريجه بعد.
[40515]:في الكشاف: بغير اللام.
[40516]:الكشاف 3/173.
[40517]:عند قوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عنِّي فإنِّي قريبٌ أجيب دعوة الدَّاع إذا دعاني فليستجيبوا لي....} [البقرة: 186]. انظر اللباب 1/374.
[40518]:البيت من بحر الطويل قاله كعب بن سعد الغنوي، وهو في مجاز القرآن 1/67، 2/107، الأصمعيات 96، الاقتضاب 3/399، المسائل العسكرية للفارسي(155)، أمالي ابن الشجري 1/62، اللسان (جوب). البحر المحيط 7/124، شرح شواهد الكشاف (10)، والشاهد فيه قوله: (فلم يستجبه) فإنه بمعنى (لم يجبه) وهو متعد بدون حرف الجر.
[40519]:انظر الكشاف 3/173، الفخر الرازي 24/261.
[40520]:في ب: نبي. وهو تحريف.
[40521]:انظر الفخر الرازي 24/261.