19- وخلقنا لكم الأرض ومهدناها حتى صارت كالبساط الممدود ، ووضعنا فيها جبالاً ثابتة ، وأنبتنا لكم فيها من كل أنواع النبات ما يحفظ حياتكم ، وجعلناه مُقدرا بأزمان معينة في نموه وغذائه ، ومُقدَّراً بمقدار حاجتكم ومقدار كميته ، وفي أشكاله في الخلق والطبيعة{[105]} .
قوله تعالى : { والأرض مددناها } ، بسطناها على وجه الماء ، يقال : إنها مسيرة خمسمائة سنة في مثلها دحيت من تحت الكعبة ، { وألقينا فيها رواسي } ، جبالا ثوابت ، وقد كانت الأرض تميد إلى أن أرساها الله بالجبال ، { وأنبتنا فيها } ، أي : في الأرض ، { من كل شيء موزون } ، مقدر معلوم . وقيل : يعني في الجبال ، وهي جواهر من الذهب والفضة والحديد والنحاس وغيرها ، حتى الزرنيخ والكحل كل ذلك يوزن وزنا . وقال ابن زيد : هي الأشياء التي توزن وزناً .
{ والأرض مددناها } أي : وسعناها سعة يتمكن الآدميون والحيوانات كلها على الامتداد بأرجائها والتناول من أرزاقها والسكون في نواحيها .
{ وألقينا فيها رواسي } أي : جبالا عظاما تحفظ الأرض بإذن الله أن تميد وتثبتها أن تزول { وأنبتنا فيها من كل شيء موزون } أي : نافع متقوم يضطر إليه العباد والبلاد ما بين نخيل وأعناب وأصناف الأشجار وأنواع النبات .
وبعد أن بين - سبحانه - بعض الدلائل السماوية الدالة على قدرته ووحدانيته ، أتبع ذلك ببيان بعض الدلائل الأرضية فقال - تعالى - : { والأرض مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ } . وقوله : { رواسى } من الرسو وهو ثبات الأجسام الثقيلة . يقال رسا الشئ يرسو أى ثبت .
أى : ومن الأدلة - أيضاً - على وحدانيتنا وقدرتنا ، أننا مددنا الأرض وفرشناها وبسطناها ، لتتيسر لكم الحياة عليها قال - تعالى - { والأرض فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الماهدون } وأننا - أيضاً وضعنا فيها جبالاً ثوابت راسخات تمسكها عن الاضطراب وعن أن تميد بكم . قال - تعالى - : { خَلَقَ السماوات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وألقى فِي الأرض رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ . . . } وأننا - أيضًا - أنبتنا في الأرض من كل شيء { موزون } أى : مقدر بمقدار معين وموزون بميزان الحكمة ، بحيث تتوفر فيه كل معانى الجمال والتناسق .
قال - تعالى - : { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }
والخط الثاني في اللوحة العريضة الهائلة هو خط الأرض الممدودة أمام النظر ، المبسوطة للخطو والسير ؛ وما فيها من رواس ، وما فيها من نبت وأرزاق للناس ولغيرهم من الأحياء :
( والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي ، وأنبتنا فيها من كل شيء موزون . وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين ) . .
إن ظل الضخامة واضح في السياق . فالإشارة في السماء إلى البروج الضخمة - تبدو ضخامتها حتى في جرس كلمة( بروج )وحتى الشهاب المتحرك وصف من قبل بأنه( مبين ) . . والإشارة في الأرض إلى الرواسي - ويتجسم ثقلها في التعبير بقوله : ( وألقينا فيها رواسي ) . وإلى النبات موصوفا بأنه( موزون ) وهي كلمة ذات ثقل ، وإن كان معناها أن كل نبت في هذه الأرض في خلقه دقة وإحكام وتقدير . .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{والأرض مددناها} يعني: بسطناها...
{وألقينا فيها رواسي} يعني: الجبال الراسيات في الأرض الطوال، {أن تميد بكم} [النحل:15]، يقول: لئلا تزول بكم الأرض، وتمور بمن عليها.
{وأنبتنا فيها من كل شيء موزون}، يقول: وأخرجنا من الأرض كل شيء موزون، يعني: من كل ألوان النبات معلوم...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يعني تعالى ذكره بقوله:"والأرْضَ مَدَدْناها": والأرض دحوناها فبسطناها، "وألْقَيْنا فِيها رَوَاسِيَ "يقول: وألقينا في ظهورها رواسيَ، يعني جبالاً ثابتة... وقوله: "وأنْبَتْنَا فِيها مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ "يقول: وأنبتنا في الأرض من كلّ شيء يقول: من كلّ شيء مقدّر، وبحدّ معلوم...
عن مجاهد، في قول الله: "مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ" قال: مقدور بقدْر...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{مَّوْزُونٍ} وزن بميزان الحكمة، وقدّر بمقدار تقتضيه، لا يصلح فيه زيادة ولا نقصان، أو له وزن وقدر في أبواب النعمة والمنفعة...
اعلم أنه تعالى لما شرح الدلائل السماوية في تقرير التوحيد. أتبعها بذكر الدلائل الأرضية، وهي أنواع:
النوع الأول: قوله تعالى: {والأرض مددناها}...
النوع الثاني: من الدلائل المذكورة في هذه الآية قوله تعالى: {وألقينا فيها رواسي}.
النوع الثالث: من الدلائل المذكورة في هذه الآية قوله تعالى: {وأنبتنا فيها من كل شيء موزون}...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما ذكر آية السماء، ثنى بآية الأرض فقال: {والأرض مددناها} أي بما لنا من العظمة، في الأبعاد الثلاثة: الطول والعرض والعمق، على الماء {وألقينا} أي بعظمتنا {فيها} أي الأرض، جبالاً {رواسي} أي ثوابت، لئلا تميل بأهلها وليكون لهم علامات؛ ثم نبه على إحياء الموتى بما أنعم به في الأرض بقياس جلي بقوله: {وأنبتنا فيها} أي الأرض ولا سيما الجبال بقوتنا الباهرة {من كل شيء موزون} أي مقدر على مقتضى الحكمة من المعادن والنبات
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
{والارض مددناها}... والظاهر أن المراد بسطها وتوسعتها ليحصل بها الانتفاع لمن حلها ولا يلزم من ذلك نفي كرويتها لما أن الكرة العظيمة لعظمها ترى كالسطح المستوي...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{والأرض مددناها} أي: وسعناها سعة يتمكن الآدميون والحيوانات كلها على الامتداد بأرجائها والتناول من أرزاقها والسكون في نواحيها.
{وأنبتنا فيها من كل شيء موزون} أي: نافع متقوم يضطر إليه العباد والبلاد ما بين نخيل وأعناب وأصناف الأشجار وأنواع النبات.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
والخط الثاني في اللوحة العريضة الهائلة هو خط الأرض الممدودة أمام النظر، المبسوطة للخطو والسير؛ وما فيها من رواس، وما فيها من نبت وأرزاق للناس ولغيرهم من الأحياء: (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي، وأنبتنا فيها من كل شيء موزون. وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين).. إن ظل الضخامة واضح في السياق. فالإشارة في السماء إلى البروج الضخمة -تبدو ضخامتها حتى في جرس كلمة (بروج) وحتى الشهاب المتحرك وصف من قبل بأنه (مبين).. والإشارة في الأرض إلى الرواسي- ويتجسم ثقلها في التعبير بقوله: (وألقينا فيها رواسي). وإلى النبات موصوفا بأنه (موزون) وهي كلمة ذات ثقل، وإن كان معناها أن كل نبت في هذه الأرض في خلقه دقة وإحكام وتقدير...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
{وأنبتنا فيها من كل شيء موزون} وموزون معناها مناسب مقدر بقدره الذي يكفى أهلها، ويجعل إقامتهم فيها طيبة راضية، وقد وزنها خالق كل شيء ولتكون للأحياء عليها غير منقوصة، بل كاملة تجعلهم في بحبوحة وسعادة كاملة لو أحسنوا فيما بينهم، ولعل في ذلك ردا على الذين يدعون إلى نقص سكان الأرض بدعوى أن الأرض ضاقت بمن فيها، وكما قال الذين يريدون أكل الشعوب الضعيفة وإبادتها، أو أن تكون طعما لهم أن الإنسان تكاثر نسله، فليحد ذلك التكاثر، إن بكر الأرض والماء اللذان لم يستغلا أكثر وفرا وأدر خيرا، إن خالق الإنسان هو الذي جعل النبات بقدر موزون، وهو الخلاق العليم.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
«المد»، في الأصل بمعنى: التوسعة والبسط، ومن المحتمل أن يراد به إِخراج القسم اليابس من الأرض من تحت الماء، لأنّ سطح الأرض (كما هو معلوم) كان مغطىً بالمياه بشكل كامل نتيجة للأمطار الغزيرة، واستقرت المياه على سطح الأرض بعد أن مرّت السنين الطويلة على انقطاع الأمطار، وبشكل تدريجي ظهرت اليابسة من تحت الماء، وهو ما تسمّيه الرّوايات ب «دحو الأرض».
(وألقينا فيها رواسي)... عبّر سبحانه عن خلق الجبال بالإِلقاء، ولعل المراد ب «إلقاء» هنا بمعنى (إِيجاد) لأنّ الجبال هي الارتفاعات الشاخصة على سطح الأرض الناشئة من برودة قشرة الأرض التدريجي، أو من المواد البركانية.
واستعمال كلمة «رواسي» جمع (راسية) بمعنى الثابت والراسخ، إِشارة لطيفة لما ذكرناه. فهي: ثابتة بنفسها، وسبب لثبات قشرة الأرض وثبات الحياة الإنسانية عليها.
.. ثمّ ينتقل إلى العامل الحيوي الفعال في وجود الحياة البشرية والحيوانية، ألاَ وهو النبات (وأنبتنا فيها من كل شيء موزون). ما أجمل هذا التعبير وأبلغه! «موزون» من مادة (وزن)، ويشير بذلك إلى: الحساب الدقيق، النظام العجيب، والتناسق في التقدير في جميع شؤون النباتات، وكل أجزائها تخضع لحساب معين لا يقبل التخلخل من الساق، الغصن، الورقة، الوردة، الحبة وحتى الثمرة. يتنوع على وجه البسيطة مئات الآلاف من النباتات، وكل تحمل خواصاً معينة ولها من الآثار ما يميزها عن غيرها، وهي بابُ بمعرفة واسع وصولا لمعرفة البارئ المصور جل شأنه، وكل ورقة منها كتاب ينطق بمعرفة الخالق.وقد ذهب البعض إلى أن المقصود هو إِحداث المعادن والمناجم المختلفة في الجبال، لأنّ كلمة «إِنبات» تستعمل في اللغة العربية للمعادن أيضاً، وهناك من ذهب إلى أن المقصود من الإِنبات في الآية معنىً أوسع يشمل جميع المخلوقات على هذه الأرض، كما يشير إلى ذلك نوح (عليه السلام) حين مخاطبته قومه (واللّه أنبتكم من الأرض نباتاً). وعليه، فليس هناك ما يمنع من إِطلاق مفهوم الإِنبات في الآية ليشمل النبات والبشر والمعادن... الخ.