البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱلۡأَرۡضَ مَدَدۡنَٰهَا وَأَلۡقَيۡنَا فِيهَا رَوَٰسِيَ وَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡزُونٖ} (19)

مددناها بسطناها ليحصل بها الانتفاع لمن حلها .

قال الحسن : أخذ الله طينة فقال لها : انبسطي فانبسطت .

وقيل : بسطت من تحت الكعبة .

ولما كانت هذه الجملة بعدها جملة فعلية ، كان النصب على الاشتغال أرجح من الرفع على الابتداء ، فلذلك نصب والأرض .

والرواسي : الجبال ، وفي الحديث : « إن الأرض كانت تتكفأ بأهلها كما تتكفأ السفينة فثبتها الله بالجبال » ومِن في من كل للتبعيض ، وعند الأخفش هي زائدة أي كل شيء .

والظاهر أنّ الضمير في فيها يعود على الأرض الممدودة ، وقيل : يعود على الجبال ، وقيل : عليها وعلى الأرض معاً .

قال ابن عباس ، وابن جبير : موزون مقدر بقدر .

وقال الزمخشري قريباً منه قال : وزن بميزان الحكمة ، وقدر بمقدار يقتضيه لا يصلح فيه زيادة ولا نقصان .

وقال ابن عطية : قال الجمهور : معناه مقدر محرر بقصد وإرادة ، فالوزن على هذا مستعار .

وقال ابن زيد : المراد ما يوزن حقيقة كالذهب والفضة ، وغير ذلك مما يوزن .

وقال قتادة : موزون مقسوم .

وقال مجاهد : معدود ، وقال الزمخشري : أوله وزن وقدر في أبواب النعمة والمنفعة .

وبسطه غيره فقال : ما له منزلة ، كما تقول : ليس له وزن أي : قدر ومنزلة .

ويقال : هذا كلام موزون ، أي منظوم غير منتثر .

فعلى هذا أي : أنبتنا فيها ، ما يوزن من الجواهر والمعادن والحيوان .

وقال تعالى : { وأنبتها نباتاً حسناً } والمقصود بالإنبات الإنشاء والإيجاد .

وقرأ الأعرج وخارجة عن نافع : معائش بالهمز .

قال ابن عطية : والوجه ترك الهمز ، وعلل ذلك بما هو معروف في النحو .

وقال الزمخشري : معايش بياء صريحة بخلاف الشمائل والخبائث ، فإنّ تصريح الياء فيها خطأ ، والصواب الهمزة ، أو إخراج الياء بين بين .

وتقدم تفسير المعايش أول الأعراف والظاهر أنّ من لمن يعقل ويراد به العيال والمماليك والخدم الذين يحسبون أنهم يرزقونهم ويخطئون ، فإن الله هو الرزاق يرزقكم وإياهم .

وقال معناه الفراء ، ويدخل معهم ما لا يعقل بحكم التغليب كالأنعام والدواب ، وما بتلك المثابة مما الله رازقه ، وقد سبق إلى ظنهم أنهم الرازقون ، وقال معناه الزجاج .

وقال مجاهد : الدواب والأنعام والبهائم .

وقيل : الوحوش والسباع والطير .

فعلى هذين القولين يكون من لما لا يعقل .

والظاهر أنّ مِن في موضع جر عطفاً على الضمير المجرور في لكم ، وهو مذهب الكوفيين ويونس والأخفش .

وقد استدل القائل على صحة هذا المذهب في البقرة في قوله : { وكفر به والمسجد الحرام }