لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَٱلۡأَرۡضَ مَدَدۡنَٰهَا وَأَلۡقَيۡنَا فِيهَا رَوَٰسِيَ وَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡزُونٖ} (19)

قوله سبحانه وتعالى : { والأرض مددناها } يعني بسطناها على وجه الماء كما يقال : إنها دحيت من تحت الكعبة ثم بسطت هذا قول أهل التفسير ، وزعم أرباب الهيئة أنها كرة عظيمة بعضها في الماء ، وبعضها خارج عن الماء ، وهو الجزء المغمور منها واعتذروا عن قوله تعالى : والأرض مددناها بأن الكرة إذا كانت عظيمة كان كل جزء منها ، كالسطح العظيم فثبت بهذا الأمر أن الأرض ممدودة مبسوطة وأنها كرة ، ورد هذا أصحاب التفسير بأن الله أخبر في كتابه بأنها ممدودة ، وأنها مبسوطة ولو كانت كرة لأخبر بذلك والله أعلم بمراده ، وكيف مد الأرض { وألقينا فيها رواسي } يعني جبالاً ثوابت وذلك أن الله سبحانه وتعالى لما خلق الأرض على الماء مادت ورجفت فأثبتها بالجبال { وأنبتنا فيها } أي في الأرض ، لأن أنواع النبات المنتفع به تكون في الأرض ، وقيل : الضمير يرجع إلى الجبال لأنها أقرب مذكور لقوله تعالى { من كل شيء موزون } وإنما يوزن ما تولد في الجبال من المعادن ، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : موزون أي معلوم ، وقال مجاهد وعكرمة أي مقدور فعلى هذا يكون المعنى معلوم القدر عند الله تعالى لأن الله سبحانه وتعالى يعلم القدر الذي يحتاج إليه الناس في معايشهم وأرزاقهم فيكون إطلاق الوزن عليه مجازاً ، لأن الناس لا يعرفون مقادير الأشياء إلا بالوزن ، وقال الحسن وعكرمة وابن زيد : أنه عنى به الشيء الموزون كالذهب والفضة والرصاص والحديد والكحل ونحو ذلك مما يستخرج من المعادن ، لأن هذه الأشياء كلها توزن وقيل : معنى موزون متناسب في الحسن والهيئة والشكل ، تقول العرب فلان موزون الحركات إذا كانت حركاته متناسبة حسنة ، وكلام موزون إذا كان متناسباً حسناً بعيداً من الخطأ والسخف وقيل إن جميع ما ينبت في الأرض والجبال نوعان : أحدهما ما يستخرج من المعادن وجميع ذلك موزون . والثاني النبات وبعضه موزون أيضاً : وبعضه مكيل وهو يرجع إلى الوزن لأن الصاع والمدّ مقدران بالوزن .