السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلۡأَرۡضَ مَدَدۡنَٰهَا وَأَلۡقَيۡنَا فِيهَا رَوَٰسِيَ وَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡزُونٖ} (19)

ولما شرح الله تعالى الدلائل السماوية في تقرير التوحيد أتبعها بذكر الدلائل الأرضية وهي أنواع ؛

النوع الأوّل : قوله تعالى : { والأرض مددناها } قال ابن عباس : بسطناها على وجه الماء . قال البغوي : يقال إنها مسيرة خمسمائة سنة في مثلها دحيت من تحت الكعبة . فإن قيل : فهل يدل ذلك على أنها بسيطة أو كرة عظيمة على ما يقوله أرباب الهيئة ؟ أجيب : بأن ليس في الآية دلالة على شيء من ذلك ، لأنّ الأرض على تقدير كونها كرة فهي في غاية العظمة والكرة العظيمة ترى كالسطح المستوي ، وتقدّم الكلام على ذلك في سورة البقرة ، وسيأتي زيادة على ذلك إن شاء الله تعالى في سورة والنازعات .

النوع الثاني : قوله تعالى : { وألقينا فيها رواسي } ، أي : جبالاً ثوابت واحدها راسي والجمع راسية وجمع الجمع رواسي . وهو كقوله تعالى : { وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم } [ النحل ، 15 ] قال ابن عباس : لما بسط الله تعالى الأرض على الماء مالت بأهلها كالسفينة فأرساها الله تعالى بالجبال الثقال لكي لا تميد بأهلها ، وقيل : إنّ الله تعالى خلقها لتكون دلالة للناس على طرق الأرض ونواحيها لأنها كالأعلام فلا تميل الناس عن الجادة المستقيمة ولا يقعون في الضلال .

النوع الثالث : قوله تعالى : { وأنبتنا فيها } واختلف في عود ضمير فيها فقيل : يعود إلى الأرض لأنّ أنواع النبات المنتفع به يكون في الأرض وقيل : إلى الجبال لأنها أقرب مذكور ولقوله تعالى : { من كل شيء موزون } وإنما يوزن ما يتولد من الجبال والأولى عوده لهما ، واختلفوا في المراد بالموزون فقال ابن عباس : ، أي : معلوم . وقال مجاهد ، أي : مقدار معين تقتضيه حكمته . وقال الحسن : أعني به الشيء الموزون كالذهب والفضة والرصاص والحديد ونحو ذلك مما يستخرج من المعادن والأولى أنه جميع ما ينبت في الأرض والجبال ، لأنّ ذلك نوعان أحدهما يستخرج من المعادن وجميع ذلك موزون . والثاني النبات فبعضه موزون وبعضه بالكيل وهو يرجع إلى الوزن لأنّ الصاع والمدّ مقدران بالوزن .