تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱلۡأَرۡضَ مَدَدۡنَٰهَا وَأَلۡقَيۡنَا فِيهَا رَوَٰسِيَ وَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡزُونٖ} (19)

الآية 19 : وقوله تعالى : { والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي } وقال في آية أخرى : { وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم } ( الأنبياء : 31 ) يعني الجبال . فظاهر هذا أن الأرض كأنها مضطربة ، وتنكفئ بأهلها ، فأثبتها بالجبال ، والأرض ، طبعها التسفل والانحدار ، فكيف كان ثباتها بشيء ، طبعه التسفل والتسرب إلا أن يقال : إن طبعها ، كان الاضطراب والانكفاء ، فأثبتها بالجبال عن الاضطراب والانكفاء ؟ أو أن يقال : من طبعها ما ذكرنا : التسفل والانحدار ، إلا أن الله بلطفه أثبت ما هو طبعه التسفل كذلك . ليعلم لطف الله وقدرته ، وقد ذكرنا هذا في ما تقدم .

وقوله تعالى : { وأنبتنا فيها من كل شيء موزون } قال بعضهم : { فيها } يعني في الجبال { من كل شيء موزون } أي ما يوزن من نحو الذهب والفضة والحديد والرصاص ونحوه مما يستخرج منها . وهذا كأنه ليس بصحيح ، لأنه لا يقال في الذهب والفضة والحديد : إنه أنبت في الأرض كما يقال كذلك للنبات وما ينبت فيها ، وإنما يقال للذهب والفضة والحديد : جعلنا فيها ، أو خلقنا فيها .

وقال بعضهم : { وأنبتنا فيها } يعني في الأرض { من كل شيء موزون } من كل ألوان ( البنات ){[9808]} موزون أي معلوم مقدر بقدر كقوله { وما ننزله إلا بقدر معلوم } ( الحجر : 21 ) ويحتمل { وأنبتنا فيها } وما يصير موزونا في الآخرة من الزروع وغيرها والحبوب أو ما ذكرنا : أي ، والله أعلم ، ليس على الجزاف على ما يكون من فعل جاهل على غير تدبير ولا تقدير .

ويحتمل قوله : { من كل شيء موزون } ما لو اجتمع الخلائق لم يعرفوا قدر ما يزداد ، وينمو من النبات في لحظة واحدة وطرفة عين في أول ما يخرج ، ويبدو من الأرض ، وذلك موزون عنده معلوم قدره ليعلم لطفه ( وقدرته وتدبيره وعلمه وأنه تدبير ){[9809]} واحد حين{[9810]} لم يختلف ذلك ، ولم يتفاوت ، والله أعلم .


[9808]:من م، ساقطة من الأصل.
[9809]:من م، في الأصل: وتدبيره.
[9810]:في الأصل وم: حيث.