اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلۡأَرۡضَ مَدَدۡنَٰهَا وَأَلۡقَيۡنَا فِيهَا رَوَٰسِيَ وَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡزُونٖ} (19)

قوله : { والأرض مَدَدْنَاهَا } " الأرْضَ " : نصبٌ على الاشتغال ، ولم يقرأ بغيره ؛ لأنه أرجع من حيث العطف على جملة فعلية قبلها ، وهي قوله : { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السماء بُرُوجاً } .

وقال أبو حيَّان{[19476]} : " ولما كانت هذه الجملة بعدها جملة فعلية ، كان النَّصب أرجح من الرفع " .

قال شهاب الدين{[19477]} : لَمْ يعدُّوا هذا من القرائن المرجحة للنصب ، إنما عدو عطفها على جملة فعلية قبلها ، لا عطف جملة فعلية عليها ، ولكنه القياس ، إذ يعطف فيه فعلية على مثلها ، بخلاف ما لو رفعت ، إذ تعطف فعلية على اسمية ، لكنهم لم يعتبروا ذلك .

والضمير في " فِيهَا " : للأرض . وقيل : للرَّواسي . وقيل : لهما .

فصل

لما شرح الدلائل السماوية في تقرير التَّوحيد ، أتبعها بذكر الدلائل الأرضية وهي أنواع :

الأول : قوله : { والأرض مَدَدْنَاهَا } قال ابن عباسٍ : بسطناها على وجه الماءِ ، وبسطت من تحته الكعبة{[19478]} .

النوع الثاني : قوله : { وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ } وهي الجبال الثوابت واحدها راسٍ ، والجمع راسية وجمع الجمع رواسي ، قال ابن عباسٍ : لما بسط الله الأرض على الماء ، مالت بأهلها كالسفينة ؛ فأرساها الله بالجبال ؛ لكيلا تميل بأهلها{[19479]} .

النوع الثالث : قوله تعالى : { وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ } ، يجوز فِي " مِنْ " أن تكون تبعيضية ، وهو الصحيح ، وأن تكون مزيدة عند الكوفيين ، والأخفش ، والضمير في قوله : " فِيهَا " يحتمل أن يكون راجعاً إلى الأرض ، وأن يكون راجعاً إلى الجبال الرواسي ، إلاَّ أنَّ رجوعها إلى الأرض أولى ؛ لأن أنواع النبات المنتفع بها ، إنما تتولَّد في الأرض ، وأما الجبلية ، فقليلة النفع .

وقيل : رجوع الضمير إلى الجبال أولى ؛ لأنَّ المعادن من الذهب ، والفضة ، والحديد ، والنحاس ، وغيرها ؛ إنَّما تتولد في الجبال ، والأشياء الموزونة في العرف والمعادة ، هي المعادن لا النبات .

وفي المراد بالموزون وجوه :

قيل : المقَّدر بقدر الحاجة ، أي : أنَّ الله –تعالى- يثبت ذلك المقدر بقدر ما يحتاج إليه الناس ؛ لقوله : { وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } [ الرعد : 8 ] وقوله تعالى : { وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } [ الحجر : 21 ] .

وقيل : المناسب المطابق للحكمة كقولهم : كلامٌ موزونٌ ، أي : متناسب بعيد عن اللغو ، والمعنى : موزونٌ بميزان الحكمة ، والعقل .

وقيل : موزونٌ ؛ بمعنى أنَّ الذي تنبته الأرض نوعان : المعادنُ ، والنباتُ ، أما المعادن : فهي بأسرها موزونة ، وأما النبات : فيرجع عاقبته إلى الوزنِ ، كالمخترف ، والفواكة في الأكثر .


[19476]:ينظر: البحر المحيط 5/437.
[19477]:ينظر: الدر المصون 4/292 – 293.
[19478]:ذكره الرازي في "تفسيره" (19/135).
[19479]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (10/10).