وقوله : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً } أى : وأرسلنا على قوم لوط نوعا من المطر عجيبا أمره ، وقد بينه الله في آية أخرى بقوله : { فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } أى : جازيناهم بالعقوبة التي تناسب شناعة جرمهم فإنهم لما قلبوا الأوضاع فأتوا الرجال دون النساء ، أهلكناهم بالعقوبة التي قلبت عليهم قريتهم فجعلت أعلاها أسفلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل أى من طين متجمد .
ثم ختمت القصة بالدعوة إلى التعقل والتدبر والاعتبار فقال - تعالى - : { فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المجرمين } .
أى : فانظر أيها العاقل نظرة تدبر واتعاظ في مآل أولئك الكافرين المقترفين لأشنع الفواحش ، واحذر أن تعمل أعمالهم حتى لا يصيبك ما أصابهم وسر في الطريق المستقيم لتنال السعادة في الدنيا والآخرة .
هذا ، وقد وردت أحاديث تصرح بقتل من يعمل عمل قوم لوط فقد روى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذى والحاكم والبيهقى عن ابن عباس .
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط . فاقتلوا الفاعل والمفعول به " .
وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن اللائط يلقى من شاهق ويتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط .
وذهب بعض العلماء إلى أن يرجم ، سواء أكان محصنا أو غير محصن .
{ وأمطرنا عليهم مطرا } أي نوعا من المطر عجيبا وهو مبين بقوله : { وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل } . { فانظر كيف كان عاقبة المجرمين } روي : أن لوط بن هاران بن تارح لما هاجر مع عمه إبراهيم عليه السلام إلى الشام نزل بالأردن ، فأرسله الله إلى أهل سدوم ليدعوهم إلى الله وينهاهم عما اخترعوه من الفاحشة ، فلم ينتهوا عنها فأمطر الله عليهم الحجارة فهلكوا . وقيل خسف بالمقيمين منهم وأمطرت الحجارة على مسافريهم .
وقوله تعالى : { وأمطرنا عليهم } الآية ، نص على إمطار وتظاهرت الآيات في غير هذه السورة أنه بحجارة ، وروي أن الله عز وجل بعث جبريل فاقتلعها بجناحه وهي ست مدن ، وقيل خمس ، وقيل أربع ، فرفعها حتى سمع أهل السماء نهاق الحمير وصراخ الديكة ثم عكسها ورد أعلاها أسفلها وأرسلها إلى الأرض . وتبعتهم الحجارة مع هذا فأهلكت من كان منهم في سفر أو خارجاً عن البقع المرفوعة ، وقالت امرأة لوط حين سمعت الرجة : واقوماه والتفتت فأصابتها صخرة فقتلتها .
الإمطار مشتقّ من المطر ، والمطر اسم للماء النّازل من السّحاب ، يقال : مطرتهم السّماء بدون همزة بمعنى نزل عليهم المطر ، كما يقال : غاثتهم ووبلتهم ، ويقال : مكان ممطور ، أي أصابه المطر ، ولا يقال : مُمْطَر ، ويقال أمطروا بالهمزة بمعنى نزل عليهم من الجوّ ما يشبه المطر ، وليس هو بمطر ، فلا يقال : هم ممطرون ، ولكن يقال : هم مُمْطَرون ، كما قال تعالى : { وأمطَرنا عليهم حجارة من سجّيل } [ هود : 82 ] وقال : { فأمْطِرْ علينا حجارة من السّماء } [ الأنفال : 32 ] ، كذا قال الزّمخشري هنا وقال ، في سورة الأنفال : قد كثر الإمطار في معنى العذاب ، وعن أبي عبيدة أنّ التّفرقة بين مُطِرَ وَأمْطِر ؛ أن مُطر للرّحمة وأمطر للعذاب ، وأمّا قوله تعالى في سورة الأحقاف ( 24 ) : { قالوا هذا عارض مُمْطِرنا فهو يعكّر على كلتا التّفرقتين } ويعين أن تكون التفرقة أغلبيّة .
وكان الذي أصاب قوم لوط حجراً وكبريتاً من أعلى القُرى كما في التّوراة وكان الدّخان يظهر من الأرض مثل دخان الأتون ، وقد ظنّ بعض الباحثين أنّ آبار الحُمَر التي ورد في التّوراة أنّها كانت في عمق السديم ، كانت قابلة للالتهاب بسبب زلازل أو سقوط صواعق عليها . وقد ذكر في آية أخرى ، في القرآن : أنّ الله جعل عَالِيَ تلك القُرى سافلاً ، وذلك هو الخَسْف وهو من آثار الزلازل . ومن المستقرب أن يكون البحر الميّت هنالك قد طغى على هذه الآبار أو البراكين من آثار الزّلزال .
وتنكير : { مطراً } للتعظيم والتّعجيب أي : مطراً عجيباً من شأنه أن يُهلك القرى .
وتفرّع عن هذه القصّة العجيبة الأمرُ بالنّظر في عاقبتهم بقوله : { فانظر كيف كان عاقبة المجرمين } فالأمر للارشاد والاعتبار . والخطاب يجوز أن يكون لغير مُعَيَّن بل لكلّ من يتأتَّى منه الاعتبار ، كما هو شأن إيراد التّذييل بالاعتبار عقب الموعظة ، لأنّ المقصود بالخطاب كلّ من قصد بالموعظة ، ويجوز أن يكون الخطاب للنّبيء صلى الله عليه وسلم تسلية له على ما يلاقيه من قومه الذين كذّبوا بأنّه لا ييأس من نصر الله ، وأنّ شأن الرّسل انتظار العواقب .
والمجرمون فاعلوا الجريمة ، وهي المعصية والسيّئة ، وهذا ظاهر في أنّ الله عاقبهم بذلك العقاب على هذه الفاحشة ، وأنّ لوطاً عليه السّلام أرسل لهم لنهيهم عنها ، لا لأنّهم مشركون بالله ، إذ لم يُتعرّض له في القرآن بخلاف ما قُصّ عن الأمم الأخرى ، لكنّ تمالئهم على فعل الفاحشة واستحلالهم إياها يدلّ على أنّهم لم يكونوا مؤمنين بالله ، وبذلك يؤذن قوله تعالى في سورة التّحريم ( 10 ) : { ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط } فيكون إرسال لوط عليه السّلام بإنكار تلك الفاحشة ابتداء بتطهير نفوسهم ، ثمّ يصف لهم الإيمان ، إذ لا شكّ أنّ لوطاً عليه السّلام بلّغهم الرّسالة عن الله تعالى ، وذلك يتضمّن أنّه دعاهم إلى الإيمان ، إلاّ أنّ اهتمامه الأوّل كان بإبطال هذه الفاحشة ، ولذلك وقع الاقتصار في إنكاره عليهم ومجادلتهم إياه على ما يخصّ تلك الفاحشة ، وقد علم أنّ الله أصابهم بالعذاب عقوبة ، على تلك الفاحشة ، كما قال في سورة العنكبوت : ( 34 ) : { إنَّا مُنزلون على أهل هذه القرية رجزاً من السّماء بما كانوا يفسقون وأنّهم لو أقلعوا عنها لتُرك عذابهم على الكفر إلى يوم آخَر أو إلى اليومِ الآخِر . }