{ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً } أي : أعدلهم وأقربهم إلى التقدير { إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا }
والمقصود من هذا ، الندم العظيم ، كيف ضيعوا الأوقات القصيرة ، وقطعوها ساهين لاهين ، معرضين عما ينفعهم ، مقبلين على ما يضرهم ، فها قد حضر الجزاء ، وحق الوعيد ، فلم يبق إلا الندم ، والدعاء بالويل والثبور .
كما قال تعالى : { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ* قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ* قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
وقوله - تعالى - : { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ . . } بيان لشمول علمه - سبحانه - .
أى : نحن وحدنا أعلم بما يقولون فيما بينهم ، لا يخفى علينا شىء مما يتخافتون به من شأن مدة لبثهم فى قبورهم أو فى الدنيا .
{ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً } أى : أعد لهم رأيا ، وأرجحهم عقلا { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } واحدا وقيل المراد باليومك مطلق الوقت ، وتنكيره للتقليل والتحقير . أى : ما لبثتم فى قبوركم إلا زمنا قليلا .
ونسبة هذا القول إلى أمثلهم لا لكونه أقرب إلى الصدق ، بل لكونه أدلى على شدة الهول .
قال - تعالى - : { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا } أى الساعة { لَمْ يلبثوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا }
فأما أرشدهم وأصوبهم رأيا فيحسونها أقصر وأقصر : ( إن لبثتم إلا يوما ) . وهكذا تنزوي تلك الأعمار التي عاشوها على الأرض وتنطوي ؛ ويتضاءل متاع الحياة وهموم الحياة ؛ ويبدو ذلك كله فترة وجيزة في الزمان ، وشيئا ضئيلا في القيمة . فما قيمة عشر ليال ولو حفلت باللذائذ كلها وبالمتاع ? وما قيمة ليلة ولو كانت دقائقها ولحظاتها مليئة بالسعادة والمسرة . ما قيمة هذه أو تلك إلى جانب الآماد التي لا نهاية لها ، والتي تنتظرهم بعد الحشر وتمتد بهم بلا انقطاع ? !
قال الله تعالى : { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ } أي : في حال تناجيهم بينهم { إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً } أي : العاقل الكامل فيهم ، { إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا يَوْمًا } أي لقصر مدة الدنيا في أنفسهم [ يوم المعاد ؛ لأن الدنيا كُلَّها وإن تكررت أوقاتها وتعاقبت لياليها وأيامها ]{[19495]} وساعاتها كأنها يوم واحد ؛ ولهذا تستقصر مدة{[19496]} الحياة الدنيا يوم القيامة : وكان غرضهم في ذلك [ درء ]{[19497]} قيام الحجة عليهم ، لقصر المدة ؛ ولهذا قال تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } [ الروم : 55 ، 56 ] ، وقال تعالى : { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ } [ فاطر : 37 ] ، وقال تعالى : { كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [ المؤمنون : 112 - 114 ] أي : إنما كان لُبثكم فيها قليلا لو كنتم تعلمون لآثرتم الباقي على الفاني ، ولكن تصرفتم فأسأتم التصرف ، قَدَّمتُم الحاضر الفاني على الدائم الباقي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.