وقوله - تعالى - : { إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ } جملة مستأنفة لزيادة التهديد والوعيد .
أى : إن رب المبعوثين للحساب والجزاء ، ليعلم علما تاما بأحوالهم الظاهرة والباطنة ، في ذلك اليوم الهائل الشديد الذي يبعث فيه الناس من قبورهم ، وسيجازي - سبحانه - الذين أساؤوا بما عملوا ، وسيجازي الذين أحسنوا بالحسنى .
ويختم هذه الحركات الثائرة باستقرار ينتهي إليه كل شيء ، وكل أمر ، وكل مصير :
فالمرجع إلى ربهم . وإنه لخبير بهم( يومئذ )وبأحوالهم وأسرارهم . . والله خبير بهم في كل وقت وفي كل حال . ولكن لهذه الخبرة( يومئذ )آثار هي التي تثير انتباههم لها في هذا المقام . . . إنها خبرة وراءها عاقبة . خبرة وراءها حساب وجزاء . وهذا المعنى الضمني هو الذي يلوح به في هذا المقام !
جملة مستأنفة استئنافاً بيانياً ناشئاً عن الإِنكار ، أي كان شأنهم أن يعلموا اطلاع الله عليهم إذا بعثر ما في القبور ، وأن يذكروه لأن وراءهم الحساب المدقق ، وتفيد هذه الجملة مفاد التذييل .
وقوله : { يومئذ } متعلق بقوله : { لخبير } ، أي عليم .
والخبير : مكنَى به عن المجازى بالعقاب والثواب ، بقرينة تقييده بيومئذ لأن علم الله بهم حاصل من وقت الحياة الدنيا ، وأما الذي يحصل من علمه بهم يوم بَعثرة القبور ، فهو العلم الذي يترتب عليه الجزاء .
وتقديم { بهم } على عامله وهو { لخبير } للاهتمام به ليعلموا أنهم المقصود بذلك . وتقديم المجرور على العامل المقترن بلام الابتداء مع أن لها الصدر سائغ لتوسعهم في المجرورات والظرف كما تقدم آنفاً في قوله : { لربه لكنود } [ العاديات : 6 ] وقوله : { على ذلك لشهيد } [ العاديات : 7 ] وقوله : { لحب الخير لشديد } [ العاديات : 8 ] . وقد علمتَ أن ابن هشام ينازع في وجوب صدارة لام الابتداء التي في خبر { إنَّ } .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ إن ربهم بهم يومئذ } يعني يوم القيامة { لخبير } بالصالح منهم والطالح . ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
إن ربهم بأعمالهم ، وما أسرّوا في صدورهم ، وأضمروه فيها ، وما أعلنوه بجوارحهم منها ، عليم ، لا يخفى عليه منها شيء ، وهو مجازيهم على جميع ذلك يومئذٍ . ...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم استؤنف الخبر الصادق الجزم بأن الله تعالى خبير بهم يومئذ ، وهو تعالى خبير دائما ، لكن خصص يومئذ ؛ لأنه يوم المجازاة فإليه طمحت النفوس ، وفي هذا وعيد مصرح ....
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
{ إن ربهم بهم يومئذ لخبير } أي عالم لا يخفى عليه منهم خافية . وهو عالم بهم في ذلك اليوم وفي غيره ، ولكن المعنى أنه يجازيهم في ذلك اليوم ....
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ إن ربهم } أي المحسن إليهم بخلقهم ورزقهم وتربيتهم وجعلهم أقوياء سويين { بهم } قدم هذا الجار والمجرور لا للاختصاص ، بل للإشارة إلى نهاية الخبر ...{ لخبير } أي محيط بهم من جميع الجهات ، عالم غاية العلم ببواطن أمورهم ، فكيف بظواهرها جواهر وأعراضاً ، أقوالاً وأفعالاً ، خفية كانت أو ظاهرة ، سراً كانت أو علانية ، خيراً كانت أو شراً ...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وإنه لخبير بهم( يومئذ )وبأحوالهم وأسرارهم . . والله خبير بهم في كل وقت وفي كل حال . ولكن لهذه الخبرة( يومئذ )آثار هي التي تثير انتباههم لها في هذا المقام . . . إنها خبرة وراءها عاقبة . خبرة وراءها حساب وجزاء . وهذا المعنى الضمني هو الذي يلوح به في هذا المقام ! ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
أي كان شأنهم أن يعلموا اطلاع الله عليهم إذا بعثر ما في القبور ، وأن يذكروه لأن وراءهم الحساب المدقق ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ونعلم أنّ الله سبحانه عليم دائماً بذات الصدور . فالتعبير «يومئذ » هو لأن ذلك اليوم يوم الجزاء ، والله يجازيهم على أعمالهم وعقائدهم . هذا التعبير كما قال بعض المفسّرين يشبه قول الذي يهدد شخصاً فيقول : سأعرف ماذا دهاك ، فهو يعرف أمره الآن أيضاً ، والقصد أنه سيريه نتيجة ذلك . نعم ، الله سبحانه عليم وخبير بأسرارنا وما تنطوي عليه نفوسنا كاملا . لكن أثر هذا العلم سيكون أظهر وأوضح عند الجزاء . وهذا التحذير لو دخل دائرة إيمان البشر لكان سداً منيعاً بينهم وبين الذنوب العلنية والخفية ، والخارجية والباطنية ...