نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِنَّ رَبَّهُم بِهِمۡ يَوۡمَئِذٖ لَّخَبِيرُۢ} (11)

ولما كان علم ما في الصدور أمراً باهراً للعقل ، قال جامعاً نظراً إلى المعنى لما عبر عنه بالإفراد بالنظر إلى اللفظ ؛ لأن العلم بالكل يلازمه العلم بالبعض بخلاف العكس ، مؤكداً إشارة إلى أنه مما لا يكاد يصدق ، معللاً للجملة المحذوفة الدالة على الحساب : { إن ربهم } أي المحسن إليهم بخلقهم ورزقهم وتربيتهم وجعلهم أقوياء سويين { بهم } قدم هذا الجار والمجرور لا للاختصاص ، بل للاشارة إلى نهاية الخبر . ولما كانت الخبرة للإحاطة بالشيء ظاهراً وباطناً ، وكان يلزم من الخبرة بالشيء بعد كونه بمدد طوال الخبرة به حال كونه من باب الأولى قال : { يومئذ } أي إذ كانت هذه الأمور وهو يوم القيامة { لخبير * } أي محيط بهم من جميع الجهات ، عالم غاية العلم ببواطن أمورهم ، فكيف بظواهرها جواهر وأعراضاً ، أقوالاً وأفعالاً ، خفية كانت أو ظاهرة ، سراً كانت أو علانية ، خيراً كانت أو شراً ، ومن المعلوم أن فيها الظلم وغيره ، ومنهم المحسن وغيره ، فلأجل علمه سبحانه بذلك غاية العلم يحاسبهم لئلا يقع ما ينافي الحكمة ، وهو أن تستوي الحسنة والسيئة ، فالقصد بالقيد وتقديم الظرف الإبلاغ في التعريف بأنه سبحانه وتعالى محيط العلم بذلك كما إذا قيل لك : تعرف فلاناً ؟ فقلت : ولا أعرف إلا هو ، فإن قصدك بذلك أن معرفتك به في غاية الإتقان ، لا نفي معرفة غيره ، وفيه إشعار بأن كل أحد يعرف غاية المعرفة في ذلك اليوم أنه سبحانه وتعالى عالم بأحواله ، لا ذهول له عن شيء من ذلك ، كما يقع في هذه الدار من أن الإنسان يعمل أشياء كثيرة وهو غافل عن أن ربه سبحانه مطلع عليه فيها ، ولو نبه لعلم ، فلإحاطته سبحانه وتعالى بجميع أحوالهم كان عالماً بأن الإنسان لربه لكنود ، وقد رجع آخرها إلى أولها ، وتكفل مفصلها بشرح مجملها ، والله الهادي للصواب .