{ وَإِنَّهُ } أي : الإنسان { لِحُبِّ الْخَيْرِ } أي : المال { لَشَدِيدُ } أي : كثير الحب للمال .
وحبه لذلك ، هو الذي أوجب له ترك الحقوق الواجبة عليه ، قدم شهوة نفسه على حق{[1470]} ربه ، وكل هذا لأنه قصر نظره على هذه الدار ، وغفل عن الآخرة ، ولهذا قال حاثًا له على خوف يوم الوعيد :{ أَفَلَا يَعْلَمُ }
وقوله - تعالى - : { وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخير لَشَدِيدٌ } أي : وإن هذا الإِنسان لشديد الحب لجمع المال ، ولكسبه من مختلف الوجوه ، بدون تفرقة - فى كثير من الأحيان - بين الحلال والحرام ، ولكنزه والتكثر منه ، وبالبخل به على من يستحقه .
وصدق الله إذ يقول : { قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنفاق وَكَانَ الإنسان قَتُوراً }
( وإنه لحب الخير لشديد )فهو شديد الحب لنفسه ، ومن ثم يحب الخير . ولكن كما يتمثله مالا وسلطة ومتاعا بأعراض الحياة الدنيا . . .
هذه فطرته . وهذا طبعه . ما لم يخالط الإيمان قلبه . فيغير من تصوراته وقيمه وموازينه واهتماماته . ويحيل كنوده وجحوده اعترافا بفضل الله وشكرانا . كما يبدل أثرته وشحه إيثارا ورحمة . ويريه القيم الحقيقية التي تستحق الحرص والتنافس والكد والكدح . وهي قيم أعلى من المال والسلطة والمتاع الحيواني بأعراض الحياة الدنيا . .
إن الإنسان - بغير إيمان - حقير صغير . حقير المطامع ، صغير الاهتمامات . ومهما كبرت أطماعه . واشتد طموحه ، وتعالت أهدافه ، فإنه يظل مرتكسا في حمأة الأرض ، مقيدا بحدود العمر ، سجينا في سجن الذات . . لا يطلقه ولا يرفعه إلا الاتصال بعالم أكبر من الأرض ، وأبعد من الحياة الدنيا ، وأعظم من الذات . . عالم يصدر عن الله الأزلي ، ويعود إلى الله الأبدي ، وتتصل فيه الدنيا بالآخرة إلى غير انتهاء . .
والضمير في قوله تعالى : { وإنه لحب الخير } عائد على { الإنسان } لا غير ، والمعنى من أجل حب الخير إنه { لشديد } ، أي بخيل بالمال ضابط له ، ومنه قول الشاعر [ طرفة بن العبد ] : [ الطويل ]
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي . . . عقيلة مال الفاحش المتشدد{[11955]}
و { الخير } المال على عرف ذلك في كتاب الله تعالى ، قال عكرمة : { الخير } حيث وقع في القرآن فهو المال ، ويحتمل أن يراد هنا الخير الدنياوي من مال وصحة وجاه عند الملوك ونحوه ؛ لأن الكفار والجهال لا يعرفون غير ذلك ، فأما المحب في خير الآخرة فممدوح له مرجو له الفوز .
واللام في { لحب الخير } لام التعليل ، والخير : المال قال تعالى : { إن ترك خيراً } [ البقرة : 18 ] .
والمعنى : إن في خُلق الإِنسان الشُّحّ لأجل حبه المال ، أي الازدياد منه قال تعالى : { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } [ الحشر : 9 ] .
وتقديم { لحب الخير } على متعلَّقه للاهتمام بغرابة هذا المتعلق ولمراعاة الفاصلة ، وتقديمه على عامله المقترن بلام الابتداء ، وهي من ذوات الصدر لأنه مجرور كما علمت في قوله : { لربه لكنود } .
وحب المال يبعث على منع المعروف ، وكان العرب يعيِّرون بالبخل وهم مع ذلك يبْخَلون في الجاهلية بمواساة الفقراء والضعفاء ويأكلون أموال اليتامى ولكنهم يسرفون في الإِنفاق في مظان السمعة ومجالس الشرب وفي الميسر قال تعالى : { ولا تحاضون على طعام المسكين وتأكلون التراث أكلاً لما وتحبون المال حباً جماً } [ الفجر : 18 20 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.