وأما حسابهم وإنزال العذاب عليهم ، فمن الله تعالى ، ينزله{[400]} عليهم إذا جاء الأجل الذي أجله فيه ، والوقت الذي قدره فيه ، الموافق لحكمته الإلهية .
فإذا جاء ذلك الوقت لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ، فليحذر المكذبون من الاستعجال بالعذاب ، فإنهم مستعجلون بعذاب الله الذي إذا نزل لا يرد بأسه عن القوم المجرمين ، ولهذا قال :
ولذا أمر الله تعالى : رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يرد عليهم فقال : { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَآءَ الله . . . } .
أى : قل يا محمد لهؤلاء الجاهلين المتعاجلين للعذاب : إنني لا أملك لنفسي - فضلا عن غيرها - شيئامن الضر فأدفعه عنها ، ولا شيئا من النفع فأجلبه لها ، لكن الذي يملك ذلك هو الله وحده ، فهو - سبحانه - الذي يملك أن ينزل العذاب بكم في أى وقت يشاء ، فلماذا تطلبون منى ما ليس في قدرتي . وعلى هذا التفسير يكون الاستثناء منقطعا .
ويجوز أن يكون متصلا فيكون المعنى : قل لهم يا محمد إنني لا أملك لنفسي شيئا من الضر أو النفع ، إلا ما شاء الله - تعالى - أن يجعلني قادرا عليه منهما ، فإنني أملكه بمشيئته وإرادته .
وقدم - سبحانه - الر على النفع هنا ، لأن الآية مسوقة للرد على المشركين ، الذين تعجلوا نزول العذاب الذي هو نوع من الضر .
أما الآية التي في سورة الأعراف ، وهى قوله - تعالى - { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَآءَ الله . . } فقد قدم النفع على الضر ، لأنها مسوقة لبيان الحقيقة في ذاتها ، وهى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يملك لنفسه شيئا من التصرف في هذا الكون ، وللإِشعار بأن النفع هو المقصود بالذات من تصرفات الإِنسان .
وقوله : { لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } تأكيد لما قبله ، وتقرير لقدرة الله - تعالى - النافذة .
أى : لكل أمة من الأمم أجل قدره الله - تعالى - لانتهاء حياتها ، فإذا حان وقت هذا الأجل هلكت في الحال دون أن تتقدم على الوقت المحدد لموتها ساعة أو تتأخر أخرى .
( قل : لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله ، لكل أمة أجل ، إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) . .
وإذا كان الرسول [ ص ] لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ، فهو لا يملك لهم الضر والنفع بطبيعة الحال . [ وقد قدم ذكر الضر هنا ، وإن كان مأموراً أن يتحدث عن نفسه ، لأنهم هم يستعجلون الضر ، فمن باب التناسق قدم ذكر الضر . أما في موضع آخر في سورة الأعراف فقدم النفع في مثل هذا التعبير ، لأنه الأنسب أن يطلبه لنفسه وهو يقول : ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء ] .
( قل : لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعاً . . إلا ما شاء الله . . ) .
فالأمر إذن لله يحقق وعيده في الوقت الذي يشاؤه . وسنة الله لا تتخلف ، وأجله الذي أجله لا يستعجل :
( لكل أمة أجل ، إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) . .
والأجل قد ينتهي بالهلاك الحسي . هلاك الاستئصال كما وقع لبعض الأمم الخالية . وقد ينتهي بالهلاك المعنوي . هلاك الهزيمة والضياع . وهو ما يقع للأمم ، إما لفترة تعود بعدها للحياة ، وإما دائماً فتضمحل وتنمحي شخصيتها وتنتهي إلى اندثارها كأمة ، وإن بقيت كأفراد . . وكل أولئك وفق سنة الله التي لا تتبدل ، لا مصادفة ولا جزافا ولا ظلماً ولا محاباة . فالأمم التي تأخذ بأسباب الحياة تحيا والأمم التي تنحرف عنها تضعف أو تضمحل أو تموت بحسب انحرافها . والأمة الإسلامية منصوص على أن حياتها في اتباع رسولها ، والرسول يدعوها لما يحييها . لا بمجرد الاعتقاد ، ولكن بالعمل الذي تنص عليه العقيدة في شتى مرافق الحياة . وبالحياة وفق المنهج الذي شرعه اللّه لها ، والشريعة التي أنزلها ، والقيم التي قررها . وإلا جاءها الأجل وفق سنة اللّه . .
أي : لا أقول إلا ما علَّمني ، ولا أقدر على شيء مما استأثر به إلا أن يُطلعني عليه ، فأنا عبده ورسوله إليكم ، وقد أخبرتكم بمجيء الساعة وأنها كائنة ، ولم يطلعني على وقتها ، [ ولكن ]{[14262]} { لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ } أي : لكل قرن مدَّة من العمر مقدَّرة{[14263]} فإذا انقضى أجلهم { فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ } كما قال تعالى : { وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا } [ المنافقون : 11 ] ،
القول في تأويل قوله تعالى : { قُل لاّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاّ مَا شَآءَ اللّهُ لِكُلّ أُمّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } .
يقول تعالى ذكره : قل يا محمد لمستعجليك وَعيدَ الله ، القائلين لك : متى يأتينا الوعد الذي تعدنا إن كنتم صادقين : لا أمْلِكُ لَنْفِسي أيها القوم أي لا أقدر لها على ضرّ ولا نفع في دنيا ولا دين إلا ما شاء الله أن أملكه فأجلبه إليها بأذنه . يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل لهم : فإذا كنت لا أقدر على ذلك إلا بإذنه ، فأنا عن القدرة على الوصول إلى علم الغيب ومعرفة قيام الساعة أعجز وأعجز ، إلاّ بمشيئته وإذنه لي في ذلك . لكلّ أمةٍ أجَلٌ يقول : لكلّ قوم ميقات لانقضاء مدتهم وأجلهم ، فإذا جاء وقت انقضاء أجلهم وفناء أعمارهم ، لا يستأخرون عنه ساعة فيُمْهَلُون وُيؤَخّرون ، ولا يستقدمون قبل ذلك لأن الله قضى أن لا يتقدّم ذلك قبل الحين الذي قدّره وقضاه .
ثم أمره تعالى أن يقول لهم { لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله } ، المعنى قل لهم يا محمد رداً للحجة إني { لا أملك لنفسي ضرّاً ولا نفعاً } من دون الله ولا أنا إلا في قبضة سلطانه وبضمن الحاجة إلى لطفه ، فإذا كنت هكذا فأحرى أن لا أعرف غيبه ولا أتعاطى شيئاً من أمره ، لكن { لكل أمة أجل } انفرد الله تعالى بعلم حده ووقته ، فإذا جاء ذلك الأجل في موت أو هلاك أمة لم يتأخروا ساعة ولا أمكنهم التقدم عن حد الله عز وجل ، وقرأ ابن سيرين «آجالهم » بالجمع .