ثم استثنى فقال :{ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } قال بعض أهل العلم ( إن ) هاهنا بمعنى : إلا الذين سبقت لهم منا الحسنى ، يعني السعادة والعدة الجميلة بالجنة ، { أولئك عنها مبعدون } قيل : الآية عامة في كل من سبقت لهم من الله السعادة . وقال أكثر المفسرين : عنى بذلك كل من عبد من دون الله وهو لله طائع ولعبادة من يعبده كاره ، وذلك " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وصناديد قريش في الحطيم وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً فعرض له النضر بن الحارث ، فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه ثم تلا عليه : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها } الآيات الثلاثة ، ثم قام فأقبل عبد الله الزبعري السهمي فأخبره الوليد بن المغيرة بما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله : أما والله لو وجدته لخصمته ، فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ابن الزبعري : أأنت قلت : إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ؟ قال : نعم ، قال : أليست اليهود تعبد عزيراً والنصارى تعبد المسيح ، وبنو مليح يعبدون الملائكة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل هم يعبدون الشياطين فأنزل الله عز وجل : { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } ، يعني : عزيراً والمسيح والملائكة ، { أولئك عنها مبعدون } وأنزل في ابن الزبعري : ( ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون ) وزعم جماعة أن المراد من الآية الأصنام ، لأن الله تعالى قال : ( وما تعبدون من دون الله ) ولو أراد به الملائكة والناس لقال ومن تعبدون من دون الله .
وأما المسيح ، وعزير ، والملائكة ونحوهم ، ممن عبد من الأولياء ، فإنهم لا يعذبون فيها ، ويدخلون في قوله : { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى } أي : سبقت لهم سابقة السعادة في علم الله ، وفي اللوح المحفوظ وفي تيسيرهم في الدنيا لليسرى والأعمال الصالحة .
{ أُولَئِكَ عَنْهَا } أي : عن النار { مُبْعَدُونَ } فلا يدخلونها ، ولا يكونون قريبا منها ، بل يبعدون عنها ، غاية البعد .
وبعد هذا الحديث الذى ترتجف له القلوب . . . أتبع القرآن ذلك بحديث آخر تسر له النفوس ، وتنشرح له الصدور ، فقال - تعالى - : { إِنَّ الذين . . . } .
الحسنى : تأنيث الأحسن ، وهى صفة لموصوف محذوف .
أى : إن الذين سبقت لهم منا فى دنياهم المنزلة الحسنى بسبب إيمانهم الخالص وعملهم الصالح ، وقولهم الطيب .
{ أولئك } المصوفون بتلك الصفات الحميدة { عَنْهَا مُبْعَدُونَ } أى : عن النار وحرها وسعيرها . . . مبعدون إبعادا تاما بفضل الله - تعالى - ورحمته .
وقوله : { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى } : قال عكرمة : الرحمة . وقال غيره : السعادة ، { أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } لما ذكر تعالى أهل النار وعذابهم بسبب شركهم بالله ، عطف بذكر السعداء من المؤمنين بالله ورسُله{[19890]} ، وهم الذين سبقت لهم من الله السعادة ، وأسلفوا الأعمال الصالحة في الدنيا ، كما قال : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } [ يونس : 26 ] : وقال { هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ } [ الرحمن : 60 ] ، فكما أحسنوا العمل في الدنيا ، أحسن الله مآلهم وثوابهم ، فنجاهم من العذاب ، وحَصَل{[19891]} لهم جزيل الثواب ، فقال : { أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.