ثم قال :{ كلا } ليس الأمر على ما عليه أبو جهل ، { لا تطعه } في ترك الصلاة ، { واسجد } صل لله ، { واقترب } من الله .
أخبرنا أبو طاهر عمر بن عبد العزيز القاشاني ، أنبأنا أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي ، حدثنا أبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي ، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث ، حدثنا أحمد بن صالح وأحمد بن عمرو بن السراج ومحمد بن سلمة قالوا : أخبرنا وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن عمارة بن غزية ، عن مولى أبي بكر أنه سمع أبا صالح ذكوان يحدث عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، فأكثروا الدعاء " .
وأما حالة المنهي ، فأمره الله أن لا يصغى إلى هذا الناهي ولا ينقاد لنهيه فقال : { كَلَّا لَا تُطِعْهُ } [ أي : ] فإنه لا يأمر إلا بما فيه خسارة الدارين ، { وَاسْجُدْ } لربك { وَاقْتَربَ } منه في السجود وغيره من أنواع الطاعات والقربات ، فإنها كلها تدني من رضاه ، وتقرب منه .
وهذا عام لكل ناه عن الخير ومنهي عنه ، وإن كانت نازلة في شأن أبي جهل حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة ، وعبث به{[1460]} وآذاه . تمت ولله الحمد .
وقوله - تعالى - : { كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ واسجد واقترب } ردع آخر لهذا الكافر عن الغرور والبطر والطغيان ، وإبطال لدعواه أنه سيدعو أهل نادية ، وتأكيد لعجزه عن منع الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصلاة .
أى : كلا ليس الأمر كما قال هذا المغرور من أن أهله وعشيرته سينصرونه ، وسيقفون إلى جانبه فى منعك أيها الرسول الكريم من الصلاة ، فإنهم وغيرهم أعجز من أن يفعلوا ذلك ، وعليك - أيها الرسول الكريم - أن تمضى فى طريقك ، وأن تواظب على أداء الصلاة فى المكان الذى تختاره ، ولا تطع هذا الشقي ، فإنه جاهل مغرور ، واسجد لربك ، وتقرب إليه - تعالى - بالعبادة والطاعة ، وداوم على ذلك .
فالمقصود بهذه الآية الكريمة ، حض النبى صلى الله عليه على المداومة على الصلاة فى الكعبة ، وعدم المبالاة بنهى الناهين عن ذلك ، فإنهم أحقر من أن يفعلوا شيئا . .
وفي ضوء هذا المصير المتخيل الرعيب . . تختم السورة بتوجيه المؤمن الطائع إلى الإصرار والثبات على إيمانه وطاعته . .
( كلا . لا تطعه ، واسجد ، واقترب . )
كلا ! لا تطع هذا الطاغي الذي ينهى عن الصلاة والدعوة . واسجد لربك واقترب منه بالطاعة والعبادة . ودع هذا الطاغي . الناهي دعه للزبانية !
ولقد وردت بعض الروايات الصحيحة بأن السورة - عدا المقطع الأول منها - قد نزلت في أبي جهل إذ مر برسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهو يصلي عند المقام . فقال [ يا محمد . ألم أنهك عن هذا ? وتوعده . فأغلظ له رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وانتهره . . ] ولعلها هي التي أخذ فيها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بخناقه وقال له : أولى لك ثم أولى فقال : يا محمد بأي شي تهددني ? أما والله إني لأكثر هذا الوادي ناديا ، فأنزل الله : ( فليدع ناديه . . . )وقال ابن عباس لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته . ولكن دلالة السورة عامة في كل مؤمن طائع عابد داع إلى الله . وكل طاغ باغ ينهى عن الصلاة ، ويتوعد على الطاعة ، ويختال بالقوة . . والتوجيه الرباني الأخير : ( كلا ! لا تطعه واسجد واقترب ) . .
وقوله : { كَلاّ } يقول تعالى ذكره : ليس الأمر كما يقول أبو جهل ، إذ ينهى محمدا عن عبادة ربه والصلاة له { لا تُطِعْهُ } يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : لا تُطع أبا جهل فيما أمرك به من ترك الصلاة لربك ، وَاسْجُدْ لِرَبّكَ ، وَاقْتَرِبْ منه ، بالتحبب إليه بطاعته ، فإن أبا جهل لن يقدر على ضرّك ، ونحن نمنعك منه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { كَلاّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } ذُكر لنا أنها نزلت في أبي جهل ، قال : لئن رأيتُ محمدا يصلي لأطأنّ عنقه ، فأنزل الله : { كَلاّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } قال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه الذي قال أبو جهل ، قال : «لو فعل لاختطفته الزبانية » .
ثم قال تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : [ كلا ] ردا على قول هذا الكافر وأفعاله [ لا تطعه ] أي : لا تلتفت إلى نهيه وكلامه ، ( واسجد ) لربك ، ( واقترب ) إليه بسجودك وبالطاعة وبالأعمال الصالحة ، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أقرب ما يكون العبد من ربه إذا سجد ، فأكثروا من الدعاء في السجود ، فقمن أن يستجاب لكم ){[11915]} وقاله مجاهد ، قال : ألم تسمعوا ( واسجد واقترب ) ، وروى ابن وهب عن جماعة من أهل العلم أن قوله تعالى : [ واسجد ] خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وأن [ واقترب ] خطاب لأبي جهل ، أي إن كنت تجترىء حتى ترى كيف تهلك .
وهذه السورة فيها سجدة عند جماعة من أهل العلم منهم ابن وهب من أصحاب مالك .
و { كَلاّ } ردع لإِبطال ما تضمنه قوله : { فليدع ناديه } ، أي وليس بفاعل ، وهذا تأكيد للتحدّي والتعجيز .
وكتب { سندع } في المصحف بدون واو بعد العين مراعاة لحالة الوصل ، لأنها ليست محل وقف ولا فاصلة .
{ لاَ تُطِعْهُ واسجد واقترب } .
هذا فذلكة للكلام المتقدم من قوله : { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى } [ العلق : 9 ، 10 ] ، أي لا تترك صلاتك في المسجد الحرام ولا تخش منه .
وأطلقت الطاعة على الحذر الباعث على الطاعة على طريق المجاز المرسل ، والمعنى : لا تخفه ولا تحذره فإنه لا يَضرك .
وأكد قوله : { لا تطعه } بجملة { واسجد } اهتماماً بالصلاة .
وعطف عليه { واقترب } للتنويه بما في الصلاة من مرضاة الله تعالى بحيث جعل المصلّي مقترباً من الله تعالى .
والاقتراب : افتعال من القرب ، عبر بصيغة الافتعال لما فيها من معنى التكلف والتطلب ، أي اجتهد في القرب إلى الله بالصلاة .