اسجد : أمر بالسجود لله . والسجود هو وضع الجبهة على الأرض في معرض عبادة الله وتعظيمه والخضوع له .
اقترب : تقرب إلى الله بالسجود .
في مناسبة الآية الأخيرة من السورة
هذا ، وهناك أحاديث عديدة تقرر سنة نبوية بالسجود عند تلاوة عدد من الآيات فيها أمر بالسجود لله ، أو خبر باستكبار الكفار عنه . من جملة ذلك : سنة السجود عند تلاوة آخر سورة العلق ؛ حيث روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة حديثا جاء فيه : " سجدنا مع رسول الله في { إذا السماء انشقت } ( الانشقاق : 1 ) ، و{ اقرأ باسم ربك الذي خلق } ( العلق : 1 ) " .
ومن الأحاديث المروية في الموضوع عامة حديث رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر جاء فيه : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة التي فيها السجدة فيسجد ونسجد معه ، حتى ما يجد أحدنا مكانا لموضع جبهته " . وحديث رواه مسلم عن أبي هريرة جاء فيه : " إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول : يا ويله ، وفي رواية : يا ويلي أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة ، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار " . وحديث رواه أبو داود والحاكم عن ابن عمر جاء فيه : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن ، فإذا مرَّ بالسجدة كبَّر وسجدَ وسجدنا معه " {[2461]} .
وفي المصحف الذي اعتمدنا عليه إشارة إلى أربع عشرة سجدة هي آيات الرعد ( 15 ) والنحل ( 49 ) والإسراء ( 107 ) ومريم ( 58 ) والحج ( 18 و77 ) والفرقان ( 60 ) والنمل ( 25 ) والسجدة ( 15 ) وص ( 24 ) وفصلت ( 37 ) والنجم ( 62 ) والانشقاق ( 21 ) والعلق ( 18 ) . وفي بعض هذه السجدات أحاديث دون بعض . ولقد روى أبو داود وابن ماجه عن عمرو بن العاص حديثا قال فيه : " إن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأني خمس عشرة سجدة : منها ثلاث في المفصل ، وفي سورة الحج سجدتان " {[2462]} . وروى الترمذي وأبو داود عن أبي الدرداء حديثاً جاء فيه : " سجدت مع رسول الله إحدى عشرة سجدة ، منها التي في النجم " {[2463]} . وروى أبو داود حديثا مرفوعا جاء فيه : " قرأ رسول الله وهو على المنبر ( ص ) ، فلما بلغ السجدة نزل فسجدَ وسجدَ الناس معه . فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تَشَزَّنَ الناس للسجود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما هي توبة نبي ، ولكني رأيتكم تَشزَّنتُم للسجودِ ، فنزلَ فسجدَ وسجدُوا " {[2464]} . وهذا بالإضافة إلى حديث أبي هريرة الذي ذكر في سجدتي الانشقاق والعلق . وما بقية السجدات فهي على ما يبدو من تنبيهات المفسرين اجتهادية جرياً على قاعدة ذكرها الزمخشري في سياق آية سورة النمل [ 25 ] حيث قال : إن مواضع السجدة إما أمر بها ، أو مدح لمن أتى بها ، أو ذم لمن تركها . ثم قال : إن أبا حنيفة والشافعي رحمهما الله اتفقا على أن سجدات القرآن أربع عشرة ، وإنما اختلفا في سجدة ( ص ) وسجدتي ( النحل ) .
ولقد روى الخمسة عن زيد بن ثابت قال : قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجدْ فيها " ، وروى البخاري عن ربيعة بن عبد الله قال : " قرأ عمر بن الخطاب على المنبر يوم الجمعة بسورة النحل فلما جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس ، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها فلما جاء السجدة قال : يا أيّها الناس إنما نمّر بالسجود فمن سجدَ فقد أصابَ ، ومن لم يسْجد فلا إثم عليه ، ولم يسجد عمرُ " وروى البخاري حديثا عن ابن عمر جاء فيه : " إن الله لم يفرضْ علينَا السجودَ إلا أن نشاء " .
ويلحظ أن السجدات جميعها في سور مكية ، وقد كان العهد المكي بنوع خاص عهد نضال وتشاد مريرين بين التوحيد والشرك ، والإيمان والكفر ، وبين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكفار العرب وفي مقدمتهم زعماء مكة . حيث يلمح من ذلك حكمة السنة النبوية التي فيها علامة الاستجابة السريعة من أهل الإيمان إلى السجود إلى الله عز وجل عند كل مناسبة ، ورد وتحد عمليان على الكفار بسبب استكبارهم وعنادهم .
والمشهد الذي احتوته الآيات والأحاديث المروية في صدده يدل بقوة على أن الدعوة بدأت علنية خلافا لما روي{[1]} أو لما هو مستقر في الذهن . وأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ يمارس صلاته الجديدة جهرة ويدعو الناس إلى الله وتقواه . وفي المشاهد المماثلة التي ظلت تذكر في السور العديدة المبكرة في النزول ، مثل القلم والمزمل والمدثر والتكاثر والماعون والكافرون تأييد لذلك . وكل ما يمكن أن يقال إزاء ما ورد في الأحاديث التي تروي أقوال بعض أصحاب رسول الله مثل ما روي عن عمر في قصة إسلامه حيث سأل بعد إسلامه : " أنحن على حقّ أم باطل ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل على حقّ ، فقال عمر : ففيم التخفي إذن ؟ " . ومثل ما روي عن ابن مسعود أنه قال : " ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر . ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي بالكعبة ظاهرين آمنين حتى أسلم عمر " {[2]} ، إن النبي صلى الله عليه وسلم - حماية لأصحابه - كان يلزم الحذر والتحفظ في الصلاة والاجتماع بهم . غير أن دعوته للناس كانت وظلت جهرة . وهذا هو المعقول المتسق مع هدف الدعوة وإيمان النبي بالله ورسالته .
والمتبادر أن هذه الآيات قد نزلت بعد نزول الآيات الخمس الأولى بمدة ما ، وبعد نزول جملة من القرآن تتضمن أمرا بالدعوة ، وشيئا من مبادئها وأهدافها . وبعد أن سار النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته شوطاً ما ، حيث أخذ يتصل بالناس ، ويدعوهم ، ويبشرهم ، وينذرهم ، ويتلو عليهم ما أوحي إليه من آيات القرآن وسوره ، ويصلي جهرة ، فتصدى له الطاغية ، فنزلت منذرة منددة ، مذكرة قارعة .
وإلحاق هذه الآيات بالآيات الخمس الأولى حيث تكونت شخصية السورة يدل على أن سور القرآن كانت تؤلف أولاً فأولاً ، وعلى أن المشهد الذي احتوته لم يتأخر كثيراً . ولعله من أوائل مشاهد المناوأة للدعوة ، والتعرّض لصاحبها ، مما يدل عليه إلحاق آياته بأولى آيات القرآن نزولاً .
تعليق على الأحاديث الواردة في صدد
هذا ، ولقد أورد الزمخشري في آخر تفسير هذه السورة حديثا معزواً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء فيه : ( من قرأ سورة العلق أعطي من الأجر كأنما قرأ المفصل كله ) .
وننبه بهذه المناسبة على أن الزمخشري يورد في آخر كل سورة بدون استثناء حديثاً من هذا الباب{[3]} . وقد نبّه ابن حجر الذي اضطلع بتخريج أحاديث هذا المفسر على ضعف رواة هذه الأحاديث ، وانقطاعها عن رسول الله ، والمتبادر أن في هذا الحق والصواب . وقد جعلنا هذا نكتفي بإيراد حديث هذه السورة كمثال ، والتنبيه على ما نبه عليه ا بن حجر .
على أننا ننبه على أن هناك أحاديث وردت في كتب الأحاديث الصحيحة بالتنويه ببعض السور . ومن ذلك الأحاديث التي أوردناها في سورة الفاتحة . وسنورد ما كان من هذا الباب في سياق السور التي جاءت في صددها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.