ثم قال تعالى لنبيه عليه السلام : { كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ } أي : لا تَلْتَفِتْ إلى نَهْيِهِ وكلامِه و{ اسجد واقترب } لربك و{ اقترب } إليه بسجودِك ، وفي الحديث : " أَقْرَبُ ما يكونُ العبدُ من رَبّه إذا سَجَدَ ، فَأَكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ في السجودِ ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُم " . ورَوَى ابنُ وهب عَنْ جماعةٍ من أهل العِلم : أنّ قَوْلَه : { تطعه } : خطابٌ للنبي صلى الله عليه وسلم ، وَأَن قَوْلَه : و{ اقترب } : خطابٌ لأَبِي جَهْلٍ ، أي : إنْ كنت تَجْتَرئ حتى تَرَى كَيْفَ تَهْلَكُ . ( ت ) : والتأويلُ الأولُ أظهرُ ؛ يدلُ عليه قولُه صلى الله عليه وسلم : " أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربه وهو ساجِدٌ " ، وعنْ ربيعة بن كعب الأسلميِّ قال : " كنتُ أبيتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم فآتيهِ بِوضُوئِهِ وحَاجَتِه ، فقال لي : سَلْ ؛ فقلتُ : أسألكَ مُرَافَقَتَكَ في الجنةِ ، قالَ : أوَ غَيْرَ ذَلِكَ ؟ قُلْتُ : هُوَ ذَاكَ ، قَال : فأعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ " ، رواه الجماعة إلا البخاريَّ ، ولفظُ الترمذي : " كُنْتُ أَبِيتُ عِنْدَ بَابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَأُعْطِيهِ وَضُوءَهُ ، فَأَسْمَعُهُ الْهَوِيَّ مِنَ اللَّيْلِ يقول : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَه ، وأَسْمَعُهُ الْهَوِيَّ مِنَ اللَّيْلِ يَقُولُ : الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ " ، قال الترمذيُّ : هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ ، وليس لربيعةَ في الكتب الستَّةِ سوى هذا الحديثِ ، انتهى من «السلاح » ، ورُوِيَ أن أبا جَهْلٍ جاءَ والنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي ، فَهمَّ بِأَنْ يَصِلَ إلَيْهِ ، وَيَمْنَعَهُ مِنَ الصَّلاَةِ ، ثُمَّ رجعَّ وَوَلَّى نَاكِصاً على عَقِبَيْهِ مُتَّقِياً بِيَدَيْهِ ، فَقِيلَ لَهُ : مَا هَذَا ؟ فَقَالَ : لَقَدْ عَرَضَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ خَنْدَقٌ مِنْ نَارٍ ، وَهَوْلٌ وَأَجْنِحَةٌ ، فيروى : أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لَوْ دَنَا مِنِّي لأَخَذَتْهُ المَلاَئِكَةُ عِيَاناً " ( ت ) : ولما لم يَنْتَهِ عَدُوُّ اللَّهِ أَخَذَهُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ ، وَأَمْكَنَ مِنْهُ ، وذَكَرَ الوائليُّ الحَافِظُ في كتابِ «الإبَانَةِ » له مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بن مغول عن نافِع عن ابن عمر قال : " بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ بِجَنَبَاتِ بَدْرٍ إذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنَ الأَرْضِ في عُنُقِهِ سِلْسِلَةٌ يُمْسِكُ طَرَفهَا أَسْوَدُ ، فَقال : يَا عَبْدَ اللَّهِ ، اسْقِنِي ، فَقَالَ ابن عُمَرَ : لاَ أَدْرِي أَعَرَفَ اسمي ، أَوْ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ ، فَقَالَ لي الأَسْوَدُ : لاَ تَسْقِهِ ؛ فَإنَّهُ كَافِرٌ ، ثُمَّ اجتذبه ، فَدَخَلَ الأرْضَ ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ : فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُه ، فقال : «أَوَ قَدْ رَأَيْتَهُ ؟ ذَلِكَ عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ ، وهُوَ عَذَابُهُ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ " انتهى من «التَّذْكِرَة » للقرطبيِّ ، وقد ذَكَرْتُ هذهِ الحكايةَ عَن أبي عمر بن عبد البر بأتَّم مِنْ هَذا عِنْد قوله تعالى : { فَلَنُذِيقَنَّ الذين كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً } [ فصلت : 27 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.