السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{كَلَّا لَا تُطِعۡهُ وَٱسۡجُدۡۤ وَٱقۡتَرِب۩} (19)

وقوله تعالى : { كلا } ردع لأبي جهل ، أي : ليس الأمر على ما يظنه أبو جهل { ولا تطعه } أي : فيما دعاك إليه من ترك الصلاة كقوله تعالى : { ولا تطع المكذبين } [ القلم : 8 ] وقوله تعالى : { واسجد } يحتمل أن يكون بمعنى السجود في الصلاة ، وأن يكون سجود التلاوة في هذه السورة ، ويدل لهذا ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : سجدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في { إذا السماء انشقت } [ الانشقاق : 1 ] وفي { اقرأ باسم ربك الذي خلق } سجدتين ، وهذا نص أن المراد سجود التلاوة ، ويدل للأوّل قوله تعالى : { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى } إلى قوله تعالى : { كلا لا تطعه واسجد } أي : ودم على سجودك . قال الزمخشري : يريد الصلاة ؛ لأنه لا يرى سجود التلاوة في المفصل ، والحديث عليه . { واقترب } أي : وتقرّب إلى ربك بطاعته وبالدعاء إليه . قال صلى الله عليه وسلم «أما الركوع فعظموا فيه الرب ، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أي : فحقيق أن يستجاب لكم » . «وكان صلى الله عليه وسلم يكثر في سجوده من البكاء والتضرّع حتى قالت عائشة رضي الله عنها : قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر ، فما هذا البكاء في السجود ؟ وما هذا الجهد الشديد ؟ قال : أفلا أكون عبداً شكوراً » . وفي رواية : «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، فأكثروا الدعاء » .

ختام السورة:

وقرأ ( ليطغى ) ، ( واستغنى ) ، ( إذا صلى ) ، ( على الهدى ) ، ( بالتقوى ) ، ( وتولى ) حمزة والكسائي جميع ذلك بالإمالة محضة ، وورش وأبو عمرو بين بين ، والفتح عن ورش قليل ، والباقون بالفتح . وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ سورة العلق أعطي من الأجر كأنما قرأ المفصل كله » حديث موضوع .