محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{كَلَّا لَا تُطِعۡهُ وَٱسۡجُدۡۤ وَٱقۡتَرِب۩} (19)

{ كلا } ردع للناهي بعد ردع وزجر إثر زجر { لا تطعه } أي لا تطع ذاك الطاغي إذا نهاك عن عبادة ربك ، قال الزمخشري : أي اثبت على ما أنت عليه من عصيانه ، كقوله {[7519]} { فلا تطع المكذبين } { واسجد واقترب } أي صل لربك ، وتقرب منه بالعبادة ، وتحبب إليه بالطاعة ، وفي ( صحيح مسلم ) {[7520]} عن أبي هريرة مرفوعا " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، فأكثروا من الدعاء " .

ختام السورة:

تنبيهات :

الأول قدمنا أن الآيات نزلت في أبي جهل على ما صح في الأخبار ، قال الإمام : ولا مانع من أن يكون في الآيات إشارة إليه ، ولكنها عامة في كل وقت وزمن كما ترى ، والخطاب فيها موجه إلى من يخاطب لا إلى شخص النبي صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم .

الثاني قال الحافظ ابن حجر في ( فتح الباري ) : إنما شدد الأمر أمر الوعيد في حق أبي جهل ، ولم يقع مثل ذلك لعقبة بن أبي معيط حيث طرح سلي الجزور على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ؛ لأنهما وإن اشتركا في مطلق الأذية حال صلاته لكن زاد أبو جهل بالتهديد ، وبدعوة أهل طاعته ، وبوطء العنق الشريف ، وفي ذلك من المبالغة ما اقتضى تعجيل العقوبة له لو فعل ذلك ، وقد عوقب عقبة بدعائه صلى الله عليه وسلم وعلى من شاركه في فعله ، فقتلوا يوم بدر كأبي جهل .

الثالث : قال الإمام : ذكر الصلاة في السورة لا يدل على أن بقيتها نزل بعد فرض الصلاة ، فقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صلاة قبل أن تفرض الصلوات الخمس المعروفة .

الرابع : قال في ( اللباب ) : سجدة هذه السورة من عزائم سجود التلاوة عند الشافعي ، فيسن للقارىء والمستمع أن يسجد عند قراءتها ، ( يدل عليه ما روي عن أبي هريرة{[3]} قال : سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في { اقرأ باسم ربك } و { إذا السماء انشقت } " أخرجه مسلم في ( صحيحه ) .


[3]:(2 البقرة 282).
[7519]:68/ القلم/ 8.
[7520]:أخرجه في 4- كتاب الصلاة حديث 215 (طبعتنا).