المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَاۚ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَانُواْ هُمُ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (92)

92- هذا شأن الله مع الذين كذَّبوا شعيباً ، وهددوه وأنذروه بالإخراج من قريتهم ، وعملوا على رد دعوته ، قد هلكوا وهلكت قريتهم كأن لم يعش فيها الذين كذَّبوا شعيباً ، وزعموا أن من يتبعه يكون خاسراً ، وأكدوا هذا الزعم وكانوا هم الخاسرين لسعادتهم في الدنيا والآخرة .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَاۚ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَانُواْ هُمُ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (92)

قوله تعالى : { الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها } ، أي : لم يقيموا ولم ينزلوا فيها ، من قولهم : غنيت بالمكان إذا أقمت به ، والمغاني المنازل ، واحدها مغنى ، وقيل : كأن لم يتنعموا فيها .

قوله تعالى : { الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين } ، لا المؤمنين كما زعموا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَاۚ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَانُواْ هُمُ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (92)

قال تعالى ناعيا حالهم { الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ْ } أي : كأنهم ما أقاموا في ديارهم ، وكأنهم ما تمتعوا في عرصاتها ، ولا تفيئوا في ظلالها ، ولا غنوا في مسارح أنهارها ، ولا أكلوا من ثمار أشجارها ، حين فاجأهم{[319]}  العذاب ، فنقلهم من مورد اللهو واللعب واللذات ، إلى مستقر الحزن والشقاء والعقاب والدركات ولهذا قال : { الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ ْ } أي : الخسار محصور فيهم ، لأنهم خسروا دينهم وأنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، ألا ذلك هو الخسران المبين ، لا من قالوا لهم : { لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ْ }


[319]:- في ب: فأخذهم العذاب.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَاۚ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَانُواْ هُمُ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (92)

ثم يعقب القرآن على مصرعهم بالرد على قولتهم : إن من يتبع شعيبا خاسر ، فيقرر على سبيل التهكم أن الخسران لم يكن من نصيب من اتبع شعيبا ، وإنما الخسران كان من نصيب الذين خالفوه وكذبوه ، فيقول : { الذين كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الذين كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ الخاسرين } .

أى : الذين كذبوا شعيبا وتطاولوا عليه وهددوه وأتباعه بالاخراج من قريتهم ، كأنهم عندما حاقت بهم العقوبة لم يقيموا في ديارهم ناعمى البال ، يظلهم العيش الرغيد ، والغنى الظاهر .

يقال : غنى بالمكان يغنى ، أقامبه وعاش فيه في نعمة ورغد .

والجلمة الكريمة استئناف لبيان ابتلائهم بشؤم قولهم : { لَنُخْرِجَنَّكَ ياشعيب والذين آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ } فكأن سائلا ، قال : فكيف كان مصيرهم ؟ فكان الجواب : الذين هددوا شعيبا ومن معه وأنذروهم بالاخراج كانت عاقبتهم أن هلكوا وحرموا من قريتهم حتى لكأنهم لم يقيموا بها ، ولم يعيشوا بالاخراج كانت عاقبتهم أن هلكوا وحرموا من قريتهم حتى لكأنهم لم يقيموا بها ، ولم يعيشوا فيها مطلقا ، لأنه متى انقضى الشىء صار كأنه لم يكن .

والاسم الموصول { الذين } مبتدأ ، وخبره جملة { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا } .

ثم أعاد القرآن الموصول وصلته لزيادة التقرير ، وللإيذان بأن ما ذكر في حيز الصلة هو الذي استوجب العقوبتين فقال : { الذين كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الذين كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ الخاسرين } .

أى : الذين كذبوا شعيبا وكفروا بدعوته كانوا هم الخاسرين دينيا ودنيويا ، وليس الذين اتبعوه كما زعم أولئك المهلكون .

وبهذا القدر اكتفى القرآن عن التصريح بإنجائه هنا ، وقد صرح بإنجائه في سورة هود فقال : { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً والذين آمَنُواْ مَعَهُ } قال صاحب الكشاف : وفى هذا الاستئناف والابتداء ، وهذا التكرير ، مبالغة في رد مقالة الملأ لأشياعهم ، وتسفيه لرأيهم ، واستهزاء بنصحهم لقومهم واستعظام لما جرى عليهم

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَاۚ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَانُواْ هُمُ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (92)

القول في تأويل قوله تعالى : { الّذِينَ كَذّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الّذِينَ كَذّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ } . .

يقول تعالى ذكره : فأهلك الذين كذّبوا شعيبا فلم يؤمنوا به ، فأبادهم ، فصارت قريتهم منهم خاوية خلاء كأنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها يقول : كأن لم ينزلوا قطّ ، ولم يعيشوا بها حين هلكوا ، يقال : غَنِيَ فلان بمكان كذا فهو يَغْنَى به غِنًى وغُنِيّا : إذا نزل به وكان به ، كما قال الشاعر :

وَلَقَدْ يَغْنَى بِهِ جِيرانُكِ ال ***مُمِسْكُو مِنْكِ بعَهْدٍ وَوِصَالِ

وقال رُؤْبة :

***وَعَهْدُ مَغْنَى دِمْنَةٍ بِضَلْفَعا ***

إنما هو مَفْعَل من غَنِي . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، قال : حدثنا معمر ، عن قتادة : كأنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها : كأن لم يعيشوا ، كأن لم ينعموا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : كأنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها يقول : كأن لم يعيشوا فيها .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : كأنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها كأن لم يكونوا فيها قطّ .

وقوله : الّذِينَ كَذّبُوا شُعَيْبا كانُوا هُمُ الخاسِرِينَ يقول تعالى ذكره : لم يكن الذين اتبعوا شعيبا الخاسرين ، بل الذين كذبوه كانوا هم الخاسرين الهالكين ، لأنه أخبر عنهم جلّ ثناؤه أن الذين كذّبوا شعيبا قالوا للذين أرادوا اتباعه : «لَئِنِ اتّبَعْتُمْ شُعَيْبا إنّكُمْ إذًا لخَاسِرُونَ » فكذّبهم الله بما أحلّ بهم من عاجل نكاله ، ثم قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ما خسر تُبّاع شعيب ، بل كان الذين كذّبوا شعيبا لما جاءت عقوبة الله هم الخاسرين دون الذين صدّقوا وآمنوا به .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَاۚ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَانُواْ هُمُ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (92)

{ الذين كذبوا شعيبا } مبتدأ خبره { كأن لم يغنوا فيها } أي استؤصلوا كأن لم يقيموا بها والمغنى المنزل . { الذين كذّبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين } دينا ودنيا لا الذين صدقوه واتبعوه كما زعموا ، فإنهم الرابحون في الدارين . وللتنبيه على هذا والمبالغة فيه كرر الموصول واستأنف بالجملتين وأتى بهما اسميتين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَاۚ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَانُواْ هُمُ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (92)

وروي أن الله تعالى بعث { شعيباً } إلى أهل مدين وإلى أصحاب ألأيكة ،

وقيل هما طائفتان وقيل واحدة وكانوا مع كفرهم يبخسون الكيل والوزن فدعاهم فكذبوه فجرت بينهم هذه المقاولة المتقدمة ، فلما عتوا وطالت بهم المدة فتح الله عليهم باباً من أبواب جهنم فأهلكهم الحر منه فلم ينفعهم ظل ولا ماء ، ثم إنه بعث سحابة فيها ريح طيبة فوجدوا برد الريح وطيبها فتنادوا ، عليكم الظلة ، فلما اجتمعوا تحت الظلة وهي تلك السحابة انطبقت عليهم فأهلكتهم ، قال الطبري : فبلغني أن رجلاً من أهل مدين يقال له عمرو بن جلهاء قال لما رآها : [ البسيط ]

يا قوم إن شعيباً مرسل فذروا*** عنكم سميراً وعمران بن شداد

إني أرى غيمة يا قوم قد طلعت*** تدعو بصوت على صمّانة الوادي

وإنه لن تروا فيها ضحاة غد*** إلا الرقيم يمشّي بين أنجاد

وسمير وعمران كاهناهم والرقيم كلبهم ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر «شعيباً » قال : ذلك خطيب الأنبياء لقوله لقومه : { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب } .

قال القاضي أبو محمد : يريد لحسن مراجعته وجميل تلطفه . وحكى الطبري عن أبي عبد الله البجلي أنه قال : أبو جاد ، وهو ز ، وحطي ، وكلمن ، وسعفص وقرشت : أسماء ملوك مدين ، وكان الملك يوم الظلة كلمن ، فقالت أخته ترثيه : [ مجزوء الرمل ]

كلمن قد هد ركني*** ُهْلُكه وسط المحله

سيد القوم أتاه*** حتف نار وسط ظله

جعلت نار عليهم*** دارهم كالمضمحله

قال القاضي أبو محمد : وهذه حكاية مظنون بها والله علم ، وقد تقدم معنى { جاثمين } .

وقوله : { كأن لم يغنوا فيها } لفظ فيه للإخبار عن قوة هلاكهم ونزول النقمة بهم والتنبيه على العبرة بهم ، ونحو هذا قول الشاعر :

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** .

و { يغنوا } معناه : يقيموا ويسكنوا .

قال القاضي أبو محمد : وغنيت في المكان إنما يقال في الإقامة التي هي مقترنة بتنعم وعيش مرضٍ ، هذا الذي استقريت من الأشعار التي ذكرت العرب فيها هذه اللفظة فمن ذلك قول الشاعر : [ الوافر ]

وقد نغنى بها ونرى عصوراً*** بها َيْقَتْدننا الُخُرد الخذالا

ومنه قول الآخر : [ الرمل ]

ولقد يغني بها جيرانك ال*** ممسكون منكم بعهد ووصال

أنشده الطبري ، ومنه قول الآخر : [ الطويل ]

ألا حيّ من أجلِ الحبيبِ المغانيا *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** .

ومنه قول مهلهل : [ الخفيف ]

غنيت دارنا تهامة في الدهر*** وفيها بنو معد حَلُّولا

ويشبه أن تكون اللفظة من الاستغناء ، وأما قوله : كأن لم تغن بالأمس ففيه هذا المعنى لأن المراد كأن لم تكن ناعمة نضرة مستقلة ، ولا توجد فيما علمت إلا مقترنه بهذا المعنى وأما قول الشاعر : [ الطويل ]

غنينا زماناً بالتصعلك والغنا*** وكلاً سقاناه بكأسيهما الدهرُ

فمعناه استغنينا بذلك ورضيناه مع أن هذه اللفظة ليست مقترنه بمكان .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَاۚ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَانُواْ هُمُ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (92)

جملة : { الذين كذبوا شعيباً } مستأنفة ابتدائية ، والتعريف بالموصولية للإيماء إلى وجه بناء الخبر ، وهو أن اضمحلالهم وانقطاع دابرهم كان جزاء لهم على تكذيبهم شعيباً .

ومعنى : { كأن لم يَغنَوا فيها } تشبيه حالة استيصالهم وعفاء آثارهم بحال من لم تسبق لهم حياة ، يقال : غَنَى بالمكان كرَضي أقام ، ولذلك سمي مكان القوم مغنى .

قال ابن عطية : « الذي استقريتُ من أشعار العرب أن غَنى معناه : أقام إقامة مقترنة بتنعم عيش ويشبه أن تكون مأخوذة من الاستغناء » أي كأن لم تكن لهم إقامة ، وهذا إنما يُعنى به انمحاء آثارهم كما قال : { فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس } [ يونس : 24 ] ، وهو يرجح أن يكون أصابهم زلزال مع الصواعق بحيث احترقت أجسادهم وخُسف لهم في الأرض وانقلبت ديارهم في باطن الأرض ولم يبق شيء أو بقي شيء قليل . فهذا هو وجه التشبيه ، وليس وجه التشبيه حالة موتهم لأن ذلك حاصل في كل ميت ولا يختص بأمثال مدين ، وهذا مثل قوله تعالى : { فهل ترى لهم من باقية } [ الحاقة : 8 ] .

وتقديم المسند إليه في قوله : { الذين كذبوا شعيباً كانوا هم الخاسرين } إذا اعتُبرت { كانوا } فعلاً ، واعتبر المسند فعلياً فهو تقديم لإفادة تقوي الحكم ، وإن اعتبرت ( كان ) بمنزلة الرابطة ، وهو الظاهر ، فالتقوي حاصل من معنى الثبوت الذي تفيده الجملة الاسمية .

والتكرير لقوله : { الذين كذبوا شعيباً } للتعديد وإيقاظ السامعين ، وهم مشركو العرب ، ليتقوا عاقبة أمثالهم في الشرك والتكذيب على طريقة التعريض ، كما وقع التصريح بذلك في قوله تعالى : { وللكافرين أمثالها } [ محمد : 10 ] .

وضمير الفصل في قوله : { كانوا هم الخاسرين } يفيد القصر وهو قصر إضافي ، أي دون الذين اتبعوا شعيباً ، وذلك لإظهار سَفه قول الملإ للعامة { لئن اتبعتم شعيباً إنكم إذن لخاسرون } توقيفاً للمعتبرين بهم على تهافت أقوالهم وسفاهة رأيهم ، وتحذيراً لأمثالهم من الوقوع في ذلك الضلال .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَاۚ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَانُواْ هُمُ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (92)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها}، يعني كأن لم يكونوا فيها قط، {الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: فأهلك الذين كذّبوا شعيبا فلم يؤمنوا به، فأبادهم، فصارت قريتهم منهم خاوية خلاء "كأنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها "يقول: كأن لم ينزلوا قطّ، ولم يعيشوا بها حين هلكوا، يقال: غَنِيَ فلان بمكان كذا... إذا نزل به وكان به...كأن لم ينعموا...

وقوله: "الّذِينَ كَذّبُوا شُعَيْبا كانُوا هُمُ الخاسِرِينَ" يقول تعالى ذكره: لم يكن الذين اتبعوا شعيبا الخاسرين، بل الذين كذبوه كانوا هم الخاسرين الهالكين، لأنه أخبر عنهم جلّ ثناؤه أن الذين كذّبوا شعيبا قالوا للذين أرادوا اتباعه: «لَئِنِ اتّبَعْتُمْ شُعَيْبا إنّكُمْ إذًا لخَاسِرُونَ» فكذّبهم الله بما أحلّ بهم من عاجل نكاله، ثم قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ما خسر تُبّاع شعيب، بل كان الذين كذّبوا شعيبا لما جاءت عقوبة الله هم الخاسرين دون الذين صدّقوا وآمنوا به.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

{الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا} كانت لهم غلبتهم في وقتهم، ولكن لما اندرست أيامُهم سَقَطَ صِيتُهم، وخمد ذكرهم، وانقشع سحابُ مَنْ تَوَهَّم أنَّ منهم شيئاً.

قوله جلّ ذكره: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الخَاسِرِينَ}. الحقُّ غالِبٌ في كل أمر، والباطل زاهق بكل وصف، وإذا كانت العِزَّةُ نعتَ مَنْ هو أزليُّ الوجود، وكان الجلال حقَّ مَنْ هو المَلِك فأي أثر للكثرة مع القدرة؟ وأي خطر للعلل مع الأزل؟

معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :

قوله تعالى: {الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها}، أي: لم يقيموا ولم ينزلوا فيها، من قولهم: غنيت بالمكان إذا أقمت به، والمغاني المنازل، واحدها مغنى، وقيل: كأن لم يتنعموا فيها.

قوله تعالى: {الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين}، لا المؤمنين كما زعموا.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا} وكذلك {كَانُواْ هُمُ الخاسرين} وفي هذا الابتداء معنى الاختصاص، كأنه قيل: الذين كذبوا شعيباً هم المخصوصون بأن أهلكوا واستؤصلوا، كأن لم يقيموا في دارهم؛ لأنّ الذين اتبعوا شعيباً قد أنجاهم الله، الذين كذبوا شعيباً هم المخصوصون بالخسران العظيم، دون أتباعه فإنهم الرابحون.

وفي هذا الاستئناف والابتداء وهذا التكرير: مبالغة في ردّ مقالة الملإ لأشياعهم، وتسفيه لرأيهم، واستهزاء بنصحهم لقومهم واستعظام لما جرى عليهم...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

... وقوله: {كأن لم يغنوا فيها} لفظ فيه للإخبار عن قوة هلاكهم ونزول النقمة بهم والتنبيه على العبرة بهم..

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

في قوله: {كأن لم يغنوا فيها} قولان: أحدهما: يقال غني القوم في دارهم إذا طال مقامهم فيها. والثاني: المنازل التي كان بها أهلوها واحدها مغني. قال الزجاج: كأن لم يغنوا فيها: كأن لم يعيشوا فيها مستغنين.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

.. والآية بيان مستأنف من قبل الله عز وجل ناقض لقول الملأ من قوم شعيب لقومهم {لئن اتّبعتم شعيبا إنّكم إذا لخاسرون} وقولهم قبله {لنخرجنّك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا} كأن سائلا يسأل عنهم باعتبار كل من الحالين كيف انتهى الأمر فيها وكيف كان عاقبة أهلها؟ فأجيب عن الأول بقوله: الذين كذبوا شعيبا وهددوه وأنذروه الإخراج من قريتهم قد هلكوا وهلكت قريتهم فحرموها كأن لم يقيموا ولم يعيشوا فيها مطلقا أو في ذلك العيش الرغيد، والأمد المديد، فمتى انقضى الشيء صار كأنه لم يكن.

وأجيب عن الثاني بقوله: الذين كذبوا شعيبا وزعموا أن من يتبعه يكون خاسرا وأكدوا زعمهم بأقوى المؤكدات كانوا هم الخاسرين لما يعتزون به من تقاليد ملتهم، ومن مالهم ووطنهم، ولما كانوا موعودين به من سعادة الدنيا والآخرة لو آمنوا – دون الذين اتبعوه فإنهم كانوا هم الفائزين المفلحين، فالجملة تفيد حصر الخسار في المكذبين له بالنص، وتقتضي نفيه عن المتبعين له بالأولى، ومناسبة الجزاء للذنب بجعل الحرص على التمتع بالوطن والاستبداد فيه على أهل الحق سببا للحرمان الأبدي منه، وجعل الحرص على الربح بأكل أموال الناس بالباطل سببا للخسران بالحرمان منه ومن غيره.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

قال تعالى ناعيا حالهم {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} أي: كأنهم ما أقاموا في ديارهم، وكأنهم ما تمتعوا في عرصاتها، ولا تفيئوا في ظلالها، ولا غنوا في مسارح أنهارها، ولا أكلوا من ثمار أشجارها، حين فاجأهم العذاب، فنقلهم من مورد اللهو واللعب واللذات، إلى مستقر الحزن والشقاء والعقاب والدركات ولهذا قال: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ} أي: الخسار محصور فيهم، لأنهم خسروا دينهم وأنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين، لا من قالوا لهم: {لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ}...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

... ومعنى: {كأن لم يَغنَوا فيها}.. وهذا إنما يُعنى به انمحاء آثارهم كما قال: {فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس} [يونس: 24]، وهو يرجح أن يكون أصابهم زلزال مع الصواعق بحيث احترقت أجسادهم وخُسف لهم في الأرض وانقلبت ديارهم في باطن الأرض ولم يبق شيء أو بقي شيء قليل. فهذا هو وجه التشبيه، وليس وجه التشبيه حالة موتهم لأن ذلك حاصل في كل ميت ولا يختص بأمثال مدين، وهذا مثل قوله تعالى: {فهل ترى لهم من باقية} [الحاقة: 8].

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

وذهب تعالى بهم كافرين، وكأنهم لم يكونوا فيها، ولم يقيموا بأرضها؛ ولذا قال تعالى: {الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ} لم يغنوا أي كأن لم يكونوا مقيمين فيها، فقد قطع دابر القوم الظالمين، وذلك بسبب تكذيبهم لشعيب وصدهم عن سبيل الله، وإن الله تعالى غالب على كل شيء.

لقد تهدد الكافرون المتغطرسون المؤمنين بأن يكونوا خاسرين إن استمروا على اتباعهم، لشعيب، فذكر – سبحانه وتعالى – أن أولئك المكذبين هم الخاسرون حقا وصدقا، فقد خسروا أنفسهم فكفروا وضلوا، وخسروا ديارهم فهدمت، وخسروا يوم القيامة، فكانوا حطب جهنم، وهم فيها خالدون.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

ويتابع سبحانه وصف ما حدث لهم إثر الرجفة: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ}.

وغنى بالمكان: أقام به؛ فحين صاروا جاثمين وخلت منهم الديار، كأنهم لم تكن لهم إقامة إذ استؤصلوا وأهلكوا إهلاكا كاملا، وإذا كان هؤلاء المكذبون قد قالوا: {لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ} فيكون مآلهم هو ما ذكره ربنا بقوله: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ}

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

في الآية اللاحقة شرح القرآن الكريم أبعاد هذا الزلزال العجيب المخيف الرهيب بالعبارة التالية: (الذين كذبوا شعيباً كأن لم يغنوا فيها). أي أنّ الذين كذبوا شعيباً أُبيدوا إبادة عجيبة، وكأنّهم لم يكونوا يسكنون تلك الديار.

وفي ختام الآية يقول: (الذين كذبوا شعيباً كانوا هم الخاسرين).

وكأنّ هاتين الجملتين جواباً لأقوال معارضي شعيب، لأنّهم كانوا قد هدّدوا بأن يخرجوه هو وأتباعه في حالة عدم انصرافهم من دين التوحيد إلى الدين السابق، فقال القرآن: إنّهم أُبيدوا كاملة، وكأنّهم لم يسكنوا في تلك المنازل، فضلا عن أن يستطيعوا إخراج غيرهم من البلد.

وفي مقابل قولهم: إنّ أتباع شعيب يستلزم الخسران، قال القرآن الكريم: إنّ نتيجة الأمر أثبتت أنّ مخالفة شعيب هي العامل الأصلي في الخسران.