غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَاۚ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَانُواْ هُمُ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (92)

85

{ الذين كذبوا شعيباً كأن لم يغنوا فيها } يقال غني القوم في دارهم إذا طال مقامهم فيها . والمغاني المنازل إذا كان فيها أهلها . وقال الزجاج : أي كأن لم يعيشوا فيها مستغنين من الغنى الذي هو ضد الفقر . وعلى التفسيرين شبه حال المكذبين بحال من لم يكن قط في تلك الديار كقوله : كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر . قال في الكشاف { الذين كذبوا } مبتدأ خبره { كأن لم يغنوا } وكذلك { كانوا هم الخاسرين } وفي هذا الابتداء معنى الاختصاص كأنه قيل : الذين كذبوا شعيباً هم المخصوصون بأن أهلكوا واستؤصلوا كأن لم يقيموا في ديارهم لأن الذين اتبعوا شعيباً قد أنجاهم الله { الذين كذبوا شعيباً } هم المختصون بالخسران العظيم دون أتباعه فإنهم الرابحون ، وفي هذا الاستئناف والابتداء والتكرير مبالغة في رد مقالة الملأ لأشياعهم وتسفيه لرأيهم واستهزاء بنصحهم لقومهم واستعظام لما جرى عليهم .

قلت : والعرب قد تكرر للتفخيم والتعظيم فتقول : أخوك الذي ظلمنا أخوك الذي أخذ أموالنا أخوك الذي هتك أعراضنا . وأيضاً إن القوم لما قالوا { لئن اتبعتم شعيباً إنكم إذاً لخاسرون } بيّن الله تعالى أن الذين لم يتبعوه وخالفوه وهم الخاسرون . وفي الآية فوائد أخرى منها : أن ذلك العذاب إنما حدث بتخليق فاعل مختار وليس ذلك أثر الكواكب والطبيعة وإلا حصل في أتباع شعيب كما حصل في حق الكفار . ومنها أن ذلك الفاعل عليم بالجزئيات حتى يمكنه التمييز بين المطيع والعاصي . ومنها أن يكون معجزة لشعيب حيث وقع ذلك العذاب على قوم دون قوم مع كونهم مجتمعين في بلد واحد .

/خ93