{ الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن } في العدد ، { يتنزل الأمر بينهن } بالوحي من السماء السابعة إلى الأرض السفلى . قال أهل المعاني : هو ما يدبر فيهن من عجيب تدبيره ، فينزل المطر ويخرج النبات ، ويأتي بالليل والنهار والصيف والشتاء ، ويخلق الحيوان على اختلاف هيئاتها ، وينقلها من حال إلى حال . وقال قتادة : في كل أرض من أرضه وسماء من سمائه خلق من خلقه وأمر من أمره وقضاء من قضائه . { لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً } فلا يخفى عليه شيء .
{ 12 } { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا }
[ ثم ] أخبر [ تعالى ] أنه خلق الخلق من السماوات السبع ومن فيهن والأرضين السبع ومن فيهن ، وما بينهن ، وأنزل الأمر ، وهو الشرائع والأحكام الدينية التي أوحاها إلى رسله لتذكير العباد ووعظهم ، وكذلك الأوامر الكونية والقدرية التي يدبر بها الخلق ، كل ذلك لأجل أن يعرفه العباد ويعلموا إحاطة قدرته بالأشياء كلها ، وإحاطة علمه بجميع الأشياء فإذا عرفوه بأوصافه المقدسة وأسمائه الحسنى وعبدوه وأحبوه وقاموا بحقه ، فهذه الغاية المقصودة من الخلق والأمر معرفة الله وعبادته ، فقام بذلك الموفقون من عباد الله الصالحين ، وأعرض عن ذلك ، الظالمون المعرضون .
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بما يدل على كمال قدرته ، وسعة علمه فقال : { الله الذي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ . . } .
أى : الله - تعالى - وحده هو الذى خلق سبع سماوات طباقا وخلق من الأرض مثلهن ، أى : فى العدد فهى سبع كالسماوات .
والتعدد قد يكون باعتبار أصول الطبقات الطينية والصخرية والمائية والمعدنية ، وغير ذلك من الاعتبارات التى لا يعلمها إلا الله - تعالى - .
قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية يقول - تعالى - مخبرا عن قدرته التامة ، وسلطانه العظيم ، ليكون ذلك باعثا على تعظيم ما شرع من الدين القويم : { الله الذي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ } كقوله - تعالى - إخبارا عن نوح أنه قال لقومه : { أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ الله سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً . . } وقال - تعالى - { تُسَبِّحُ لَهُ السماوات السبع والأرض وَمَن فِيهِنَّ } وقوله : { وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ } أى : سبعا - أيضا - كما ثبت فى الصحيحين : " من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه مع سبع أرضين " .
ومن حمل ذلك على سبعة أقاليم ، فقد أبعد النجعة ، وأغرق فى النزع ، وخالف القرآن والحديث بلا مستند . .
وقال الآلوسى : الله الذى خلق سبع سماوات مبتدأ وخبر { وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ } أى : وخلق من الأرض مثلهن ، على أن { مِثْلَهُنَّ } مفعول محذوف ، والجملة معطوفة على الجملة قبلها .
والمثلية تصدق بالاشتراك فى بعض الأوصاف ، فقال الجمهور : هى هنا فى كونها سبعا وكونها طباقا بعضها فوق بعض ، بين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والأرض ، وفى كل أرض سكان من خلق الله ، لا يعلم حقيقتهم أحد إلا الله - تعالى - .
وقيل : المثلية فى الخلق لا فى العدد ولا فى غيره ، فهى أرض واحدة مخلوقة كالسموات السبع .
ورد هذا القيل بأنه قد صح من رواية البخارى وغيره ، قوله - صلى الله عليه وسلم - : " اللهم رب السموات السبع وما أظللن ، ورب الأرضين السبع وما أقللن . . " .
والذى نراه أن كون المثلية فى العد ، هو المعول عليه ، لورود الأحاديث الصحيحة التى صرحت بأن الأرضين سبع ، فعلينا أن نؤمن بذلك ، وأن نرد كيفية تكوينها ، وهيئاتها ، وأبعادها ، ومساحاتها ، وخصائصها . . . إلى علم الله - تعالى - .
وقوله : { يَتَنَزَّلُ الأمر بَيْنَهُنَّ } أى : يجرى أمر الله - تعالى - وقضاؤه وقدره بينهن ، وينفذ حكمه فيهن ، فالمراد بالأمر : قضاؤه وقدره ووحيه .
واللام فى قوله - تعالى - : { لتعلموا أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً } متعلقة بقوله { خَلَقَ } . .
أى : خلق - سبحانه - سبع سماوات ومن الأرض مثلهن ، وأخبركم بذلك ، لتعلموا علما تاما أن الله - تعالى - على كل شىء قدير ، وأن علمه - تعالى - قد أحاط بكل شىء سواء أكان هذا الشىء جليلا أم حقيرا ، صغيرا أم كبيرا .
وبعد : هذا تفسير لسورة " الطلاق " نسأل الله - تعالى - أن يجعله خالصا لوجهه ونافعا لعباده ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.